يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤).
وذلك التزيين قد يكون للعقل او العلم ، واخرى للنفس الأمارة والحس ، تزيينا للمعصية كأنها مباحة ام عبادة ، ام تزيينا للعبادة اكثر مما هيه لكي يغترّ بها صاحبها ، إمّا ذا من تمويه لخلاف الحق ، منافقة فيه غير موافقة ، للواقع هنا ام في الاخرى ، ولكي يضل الإنسان عن الصراط المستقيم ، وفي كل ذلك يصدقه أبناء الحمية ، واخوان العصبية ، وفرسان الكبر والجاهلية (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
وفي مسرح التزيين مصرح الغواية (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) كما الجحيم : لا تبقي ولا تذر ، (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
ف «عبادك» دون العباد ، تخصهم بعباد الله دون عباد الشيطان ، ولكن فيهم من يتبعه بعض الأحيان ، سواء شمله الغفران ام لم يشمله ، ف «المخلصين» يخرجهم أولاء عمن لا يغويهم ، وتحتصر الغواية بغير المخلصين ، وهم الذين أخلصهم الله لنفسه بعد ما أخلصوا له أنفسهم قدر الطاقة دون تقصير.
فالعباد ثلاثة عبّاد الشيطان وعباد الرحمن وبينهما عباد عوان خلطا بين طاعة الشيطان وطاعة الرحمن ، فالأولون كالكرة أمام اللاعب بها ، تتوجه حيث توجّه دون صعوبة ، والآخرون يتعبون الشيطان على قدر تمسكهم بالرحمن ، واما عباد الرحمن فليس للشيطان عليهم اي سلطان ، لأنهم في صيانة العصمة الإلهية علما وعملا.
وليس انه لا يزين في الأرض للمخلصين ، فانه يزين لهم ولمن سواهم ، ولكن لا يقدر على إغواء المخلصين ، إذ لا ينغرّون بإغراءاته ولا يستغفلون بإغفالاته حيث يبصرون بالدنيا غايتها فتبصّرهم ، ولا يبصرون إليها فتعميهم.