مكية الحجر بارزة بطيّات آياتها ، لا سيما آية الدعوة المعلنة بعد استتارها : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٩٤ ـ ٩٥) مفسّرة بروايات من طريق الفريقين انه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكتتم الدعوة في البداية سنين عدة حتى نزلت هذه الآية ، آمرة بالدعوة المعلنة.
وان الصبغة المكية لائحة في سبك آياتها كلها ، واتجاهاتها ، حيث الإنذار الحاسم القاصم في مطلعها ملفعا بظل من التهويل والتحويل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ، ذَرْهُمْ ..) ثم متابعات وتعقيبات على الذين كفروا جاسمين ، وتشجيعات وتعزيات للرسول الجريح القريح من هجمات المشركين وهمجاتهم ، كل ذلك تؤيد مكية السورة.
ذلك ، ولكن ربما تدل ثانية آياتها أنها مدنية ، ام هي واضرابها ، حيث الذين كفروا في العهد المكي ما كانوا يودون لو كانوا مسلمين ، اللهم إلّا على تأويل تحسرهم الى يوم الدين ولكنه «إنما» وليس «ربما» حيث المشهد الضارع الهارع يدعوهم لذلك التحسر يوم الدين ، اضافة الى «ذرهم» فانه لا يناسب يوم الدين.
وربما تعني «ربما» هنا بدخولها على «يود» المستقبل ، كل حالات تحسرهم منذ الدولة الاسلامية في المدينة المنورة ، ويوم الرجعة وما بينهما من حالات متقدمة للمسلمين ، ويوم البرزخ ويوم القيامة (١). توسعة في «ربما» وتأويلا له ـ بعد تفسير الدنيا ـ الى يوم الدين ، فالمعنيان معنيان مهما كان
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٩٢ ـ اخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ان ناسا من امتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله ان يكونوا ثم يعيرهم اهل الشرك فيقولون : ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد الا أخرجه الله تعالى من النار ثم قرء رسول ـ