ثمّ قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ لليهود : أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة؟
قالوا : لا.
قال : فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيز ابن الله؟
قالوا : لأنّه أحيا لبني إسرائيل التّوراة بعد ما ذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنه.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فكيف صار عزير ابن الله دون موسى ، وهو الّذي جاءهم بالتّوراة ورأوا منه من المعجزات ما قد علمتم؟ فإن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه من إحياء التّوراة ، فلقد كان موسى بالنّبوّة أحقّ وأولى. ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنّه ابنه ، فأضعاف هذه كرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النّبوّة. لأنّكم إن كنتم إنّما تريدون بالنّبوّة الدّلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمّهات الأولاد بوطئ آبائهم لهنّ ، فقد كفرتم بالله وشبّهتموه بخلقه وأوجبتم فيه صفات المحدثين. ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.
قالوا : لسنا نعني هذا. فإنّ هذا كفر كما ذكرت. ولكنّا نعني أنّه ابنه ، على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة عن غيره : يا بنيّ ، وأنّه ابني. لا على إثبات ولادته منه. ولأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ ، لا نسب له بينه وبينه. وكذلك لمّا فعل الله بعزير ما فعل ، كان قد اتّخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فهذا ما قلته لكم ، أنّه إن أوجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه. فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى. وأنّ الله يفضح كلّ مبطل بإقراره ويقلب عليه حجّته ، لأنّ ما احتججتم به يؤدّيكم إلى ما هو أكبر (١) ممّا ذكرته لكم.
لأنّكم قلتم : إنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لا نسب بينه وبينه : يا بنيّ ، وهذا ابني. لا على طريق الولادة. فقد تجدون ـ أيضا ـ هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر : هذا أخي. ولآخر : هذا شيخي ، وأبي. ولآخر : هذا سيّدي ، ويا سيّدي. على سبيل الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة ، زاده في مثل هذا القول. فإذا يجوز عندكم أن يكون
__________________
(١) المصدر : أكثر.