أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار عن الإحاطة به. جلّ عمّا يصفه الواصفون ، وتعالى عمّا ينعته النّاعتون.
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى حنان بن سدير : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه : وله الأسماء الحسنى ، الّتي لا يسمّى بها غيره. وهي الّتي وصفها (٢) في الكتاب ، فقال : (فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) جهلا بغير علم. فالّذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ، ويكفر به وهو يظنّ أنّه يحسن. ولذلك (٣) قال : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٤). فهم الّذين يلحدون في أسمائه بغير علم ، فيضعونها غير مواضعها.
وإذ قد عرفت ممّا روي من بطون الآية ، أنّ المراد بأسمائه الحسنى : الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ، عرفت بقرينة المقابلة أنّ المراد بالّذين يلحدون في أسمائه : هم الّذين يعدلون عنهم إلى أعدائهم الظّالمين لهم ، الغاصبين لحقّهم. فإنّهم سيجزون بما كانوا يعملون.
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٨١) :
ذكر ذلك ، بعد ما بيّن أنّه خلق للنّار طائفة ضالّين ملحدين عن الحقّ ، للدّلالة على أنّه ـ أيضا ـ خلق للجنّة أمّة هادين بالحقّ عادلين في الأمر. واستدلّ به على صحّة الإجماع. لأنّ المراد منه : أنّ في كلّ قرن طائفة بهذه الصّفة. إذ لو اختصّ بعهد الرّسول أو غيره ، لم يكن لذكره فائدة فإنّه معلوم.
أقول : وفي الآية دلالة على وجود المعصوم في كلّ قرن. إذ لو لم يكن في قرن معصوم ، لم يصدّق أنّ فيهم من (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). إذ فيه تصريح بأنّ الهادين والعادلين بعض الخلق ، لا كلّهم. وكلّ بعض لم يكن معصوما ، ما لم يكن هاديا وعادلا كلّيّا. وصحّة الإجماع لو كان ، فباعتبار دخوله.
وفي أصول الكافي (٥) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :
__________________
(١) التوحيد / ٣٢٤.
(٢) أوب وج : وضعها.
(٣) المصدر : فلذلك.
(٤) يوسف / ١٠٦.
(٥) الكافي ١ / ٤١٤ ، ح ١٣.