وقول الآخر :
٨٣ ـ رأين الغواني الشّيب لاح بعارضي |
|
فأعرضن عنّي بالخدود النواضر |
وقد حمل على هذه (١) اللغة آيات من التنزيل العظيم : منها قوله سبحانه : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء ، ٣] والأجود تخريجها على غير ذلك ، وأحسن الوجوه فيها إعراب (الَّذِينَ ظَلَمُوا) مبتدأ ، (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) خبرا.
ثم قلت : الثالث المبتدأ ، وهو : المجرّد عن العوامل اللّفظيّة : مخبرا عنه ، أو وصفا رافعا لمكتفى به ؛ فالأوّل ك «زيد قائم» و (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) و (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) والثّاني شرطه نفي أو استفهام ، نحو «أقائم الزّيدان»
______________________________________________________
٨٣ ـ هذا بيت من الطويل ، وينسبه بعض الرواة لأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله العتبي ، من ولد عتبة بن أبي سفيان ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ١٤٥) والأشموني (رقم ٣٦٠) وفي وحشيات أبي تمام (ص ٢٩٠ المعارف) «ويقال : لعمر بن أبي ربيعة» وينسب لأبي الشبل ، وفي العقد الفريد ٣ / ٤٦ لمحمد بن أبي أمية.
اللّغة : «الغواني» جمع غانية ، وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الزينة ، أو هي التي غنيت بزوجها عن التطلع إلى الرجال ، أو هي التي غنيت ببيت أبيها عن الأزواج لكونها في رفاهية عيش ورغد «النواضر» الجميلة ، مأخوذة من النضرة ، وهي الحسن والرواء ، وواحد النواضر ناضر.
الإعراب : «رأين» رأى : فعل ماض ، والنون علامة جمع المؤنث ، ورأى هنا بصرية فلا تحتاج إلا إلى مفعول واحد ، «الغواني» فاعل رأى ، «الشيب» مفعول به لرأى «لاح» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الشيب ، وجملة الفعل وفاعله في محل نصب حال من الشيب ، «بعارضي» بعارض : جار ومجرور متعلق بلاح ، وعارض مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «فأعرضن» الفاء حرف عطف ، أعرض : فعل ماض ، والنون ضمير جماعة النسوة فاعل ، «عني» جار ومجرور متعلق بأعرض ، «بالخدود» جار ومجرور متعلق بأعرض أيضا ، «النواضر» صفة للخدود.
الشّاهد فيه : قوله «رأين الغواني» حيث وصل الفعل ـ الذي هو رأى ـ بنون النسوة في قوله «رأين» مع ذكر الفاعل الظاهر ـ وهو قوله «الغواني» وهذه النون ليست ضميرا مثلها في قوله «فأعرضن» بل هي علامة جمع الإناث مثل تاء التأنيث في نحو قولك «قامت هند».
__________________
(١) في نسخة «وقد حمل قوم على هذه ـ إلخ».