لأن الواو ليست بمعنى مع فيهن ، وإنما هي في المثال الأول لعطف مفرد على مفرد ، واستفيدت المعية من العامل ـ وهو «مزجت» ـ وفي المثالين الأخيرين لعطف جملة على جملة ، والتقدير : وسقيتها ماء ، وكحّلن العيونا ، فحذف الفعل والفاعل وبقي المفعول ، ولا جائز أن يكون [الواو] فيهما لعطف مفرد على مفرد ؛ لعدم تشارك ما قبلها وما بعدها في العامل ؛ لأن «علفت» لا يصح تسليطه على الماء ، و «زجّجن» لا يصح تسليطه على العيون ، ولا تكون للمصاحبة ؛ لانتفائها في قوله «علفتها تبنا وماء» ولعدم فائدتها في «وزجّجن الحواجب والعيونا» ؛ إذ من المعلوم لكل أحد أن العيون مصاحبة للحواجب.
ولا نحو «كلّ رجل وضيعته» ؛ لأنه وإن كان اسما واقعا بعد الواو التي بمعنى مع لكنها غير مسبوقة بفعل ولا ما في معناه ، ولا نحو «هذا لك وأباك» ونحوه على أن يكون «أباك» مفعولا معه منصوبا بما في «ها» من معنى أنبّه ، أو بما في «ذا» من معنى أشير ، أو بما في «لك» من معنى استقرّ ؛ لأن كلا من «ها» و «ذا» و «لك» فيه معنى الفعل دون حروفه.
بخلاف «سرت والنّيل» و «أنا سائر والنّيل» فإن العامل في الأول الفعل ، وفي الثاني الاسم الذي فيه معنى الفعل وحروفه ، قال سيبويه رحمهالله : «وأما نحو هذا لك
______________________________________________________
العامل ـ وهو زججن ؛ لأن التزجيج ـ الذي هو التدقيق والترقيق يكون للحواجب دون العيون ، ولا يصلح قوله «العيون» أن يكون مفعولا معه لأن الإخبار بالمعية ههنا لا يفيد شيئا ، ولذلك أوجب فيه المؤلف ـ تبعا لجماعة من النحاة ـ واحدا من أمرين ، فإما أن تضمن العامل ـ وهو زججن ـ معنى فعل آخر يصح تسليطه عليهما ، مثل جملن وحسنّ ونحوهما ، وحينئذ يكون الثاني معطوفا على الأول ، عطف مفرد على مفرد ، وقد بينا مثل هذا في الشاهد السابق ، وإما أن تجعل «العيون» مفعولا به لفعل محذوف على ما قررناه في إعراب البيت.
ومن جميع ما بينه المؤلف وبيناه في شرح هذا الشاهد والذي قبله تعلم أن للاسم الواقع بعد الواو أربع حالات ، الأولى : أن يكون بحيث يجب عطفه على ما قبل الواو ، والثانية : أن يكون بحيث يجب نصبه على أنه مفعول معه ، والثالثة : أن يكون بحيث يجوز فيه الأمران جميعا : عطفه على ما قبله ، ونصبه على أنه مفعول معه ، والرابعة : أن يكون بحيث يمتنع فيه الأمران جميعا ، ولا يعسر عليك بعد ذلك استخراج مواطن كل واحدة من هذه الحالات.