مُوسى) [طه ، ٩١] وليس النصب بحتى نفسها ، خلافا للكوفيين ، ولا يجوز إظهار أن بعدها في شعر ولا نثر (١).
ويشترط لإضمار أن بعدها : أن يكون الفعل مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها ، سواء كان مستقبلا بالنظر إلى زمن التكلم ، أو لا ؛ فالأول كقوله تعالى : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه ، ٩١] ألا ترى أن رجوع موسى عليهالسلام مستقبل بالنظر إلى ما قبل حتى ، وهو ملازمتهم للعكوف على عبادة العجل ، وكذلك قولك : (أسلمت حتى أدخل الجنة) والثاني كقوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة ، ٢١٤] في قراءة من نصب (يقول) فإن قول الرسول والمؤمنين مستقبل بالنظر إلى الزّلزال ، لا بالنظر إلى زمن الإخبار ، فإن الله عزوجل قصّ علينا ذلك بعد ما وقع.
ولو لم يكن الفعل الذي بعد «حتى» مستقبلا بأحد الاعتبارين امتنع إضمار أن ، وتعين الرفع ، وذلك كقولك «سرت حتى أدخلها» إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول ، ومن ذلك قولهم : «شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه» و «مرض زيد حتى لا يرجونه» فإن المعنى حتى حالة البعير أنه يجيء يجر بطنه وحتى حالة المريض أنهم لا يرجونه ، ومن الواضح فيه أنك تقول : «سألت عن هذه المسألة حتى لا أحتاج إلى السّؤال» أي : حتى حالتي الآن أنني لا أحتاج إلى السؤال عنها.
وأما اللام فلها أربعة أقسام :
أحدها : اللام التعليلية ، نحو : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) [النحل ، ٤٤] ومنه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح ، ١ و ٢].
فإن قلت : ليس فتح مكة علة للمغفرة.
__________________
(١) اعلم أن «حتى» التي ينتصب الفعل المضارع بعدها لها معنيان : الأول التعليل ، وهذا إذا كان ما قبلها علة لما بعدها ، والمراد بالعلة في هذا الموضع الأمر الذي يفضي ويؤدي إلى آخر ، ونحو قولك : أسلم حتى تدخل الجنة ، وقولك : ذاكر حتى تنجح ، وقولك : اصدق حتى يثق بك الناس ، ألا ترى أن الإسلام يؤدي إلى دخول الجنة والمذاكرة تؤدي إلى النجاح والصدق يؤدي إلى ثقة الناس بالصادق؟ والثاني من معنيي حتى الغاية ، وذلك إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها : أي أن ما قبلها لا ينقطع إلا عند حصول ما بعدها ، نحو قولك : لأسيرن حتى تطلع الشمس ، ولأذاكرن حتى أتقن الدرس ، ولأد أبن على العمل حتى أدرك غاية الأمل ، والآية الأولى من الآيتين الكريمتين تحتمل حتى فيها كل واحد من المعنيين ، أما الآية الثانية فحتى فيها للغاية ليس غير.