ولما أنهيت القول في المرفوعات شرعت في المنصوبات فقلت :
باب ، المنصوبات خمسة عشر : أحدها المفعول به ، وهو : ما وقع عليه فعل الفاعل ، ك «ضربت زيدا».
وأقول : المنصوبات محصورة في خمسة عشر نوعا ، وبدأت منها بالمفاعيل لأنها الأصل ، وغيرها محمول عليها ومشبّه بها ، وبدأت من المفاعيل بالمفعول به كما فعل الفارسيّ وجماعة منهم صاحبا المقرب والتسهيل ، لا بالمفعول المطلق كما فعل الزمخشريّ وابن الحاجب ، ووجه ما اخترناه أن المفعول به أحوج إلى الإعراب ؛ لأنه الذي يقع بينه وبين الفاعل الالتباس.
والمراد بالوقوع التعلّق المعنوي ، لا المباشرة ، أعني تعلقه بما لا يعقل إلا به ، ولذلك لم يكن إلا للفعل المتعدّي ، ولو لا هذا التفسير لخرج منه نحو : «أردت السّفر» لعدم المباشرة ، وخرج بقولنا «ما وقع عليه» المفعول المطلق ، فإنه نفس الفعل الواقع ، والظرف ، فإن الفعل يقع فيه ، والمفعول له ، فإن الفعل يقع لأجله ، والمفعول معه ، فإن الفعل يقع معه لا عليه.
ثم قلت : ومنه ما أضمر عامله : جوازا نحو : (قالُوا خَيْراً) ووجوبا في مواضع منها باب الاشتغال نحو : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ.)
______________________________________________________
عضدا استساغ لنفسه أن يسكن وسطها ، كما يسكن وسط عضد ، وهذا بيان كلام المؤلف فافهمه.
هذا وقد روى أبو العباس المبرد في الكامل (ج ١ ص ١٤٣) بيت الشاهد على وجه غير الوجه الذي يرويه النحاة عليه ، ولا يتحقق فيه شيء مما ذكروه ، وهذا الوجه هو :
حلّت لي الخمر وكنت امرأ |
|
عن شربها في شغل شاغل |
فاليوم أسقى غير مستحقب |
|
إثما من الله ، ولا واغل |
وربما كانت إحدى الروايتين مصنوعة ؛ إذ يحتمل أن أحد النحاة جاء برواية «أشرب غير مستحقب» ليستدل على أن من العرب من لا يلتزم حركات الإعراب المقررة حين يضطر إلى تركها لإقامة وزن ، ويحتمل أن بعض الرواة جاء برواية «أسقى غير مستحقب» ليصلح من فساد البيت ؛ ليدل على أن العرب لا يتكلمون إلا بالصحيح.