وارتفاع (امرؤ) في الآية الأولى على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور ، والتقدير : إن هلك امرؤ هلك ، ولا يجوز أن يكون فاعلا بالفعل المذكور ، خلافا للكوفيين ؛ لأن الفاعل لا يتقدم على رافعه ، ولا مبتدأ خلافا لهم وللأخفش (١) ؛ لأن أدوات الشرط لا تدخل على الجملة الاسمية ، وانتصابه فى الآية الثانية لأنه خبر (كان) وانجراره في الثالثة بالإضافة.
ثم قلت : وأنواعه رفع ونصب في اسم وفعل ك «زيد يقوم» و «إنّ زيدا لن يقوم» وجرّ في اسم ك «بزيد» وجزم في فعل ك «لم يقم».
والأصل كون الرّفع بالضّمّة ، والنّصب بالفتحة ، والجرّ بالكسرة ، والجزم بالسّكون.
وأقول : أنواع الإعراب أربعة : رفع ، ونصب ، وجر ، وجزم (٢) ، وعن بعضهم أن الجزم ليس بإعراب (٣) ، وليس بشيء ، وهذه الأربعة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
__________________
جعلتم الإعراب هو تغير الآخر فقط ؛ فلا يكون تعريف الإعراب شاملا لتغير هاتين الكلمتين ، وحاصل الجواب : أن هذا الاعتراض مبني على مذهب الكوفيين الذين يجعلون تغير الحرف الذي قبل الآخر فيهما بسبب تغير العامل ، ونحن جعلنا تعريف الإعراب على ما هو مذهب البصريين الذين يجعلون تغير الحرف الذي قبل الآخر ليس بسبب تغير العوامل ، بل للإتباع للحرف الأخير ، ومع هذا فإنه يمكن تصحيح التعريف حتى لو أجرينا هاتين الكلمتين على ما هو مذهب الكوفيين ، وذلك بأن نريد بالحرف الآخر في التعريف ما ليس بأول الكلمة ؛ ويشمل الآخر وما قبله.
(١) ههنا أصلان ؛ الأول : هل يجوز أن تقع الجملة الاسمية بعد أدوات الشرط؟ ذهب الكوفيون والأخفش إلى جواز ذلك ، وأباه جمهور البصريين ، والأصل الثاني : هل يجوز أن يتقدم الفاعل على رافعه؟ ذهب جمهور الكوفيين إلى جواز ذلك ، وأباه جمهور البصريين ، ومن هنا تعلم السر في أن الكوفيين والأخفش جعلوا (امرؤ) في قوله تعالى (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) مبتدأ ، والسر في أن يجيز الكوفيون جعله فاعلا لهلك المتأخر عنه ، والسر في أن البصريين لا يجعلونه مبتدأ ولا فاعلا مقدما ، وتمسكهم بأنه فاعل لفعل محذوف يقدر متقدما عليه.
(٢) قد يكون الرفع ظاهرا نحو «زيد يقوم» وقد يكون مقدرا نحو «موسى يسعى في الخير» وقد يكون محلا نحو «أنت الذي وثقت به» وقد يكون النصب ظاهرا نحو «إن زيدا رجل خير» وقد يكون مقدرا نحو «إن ليلى كالبدر» وقد يكون محلا نحو «إنك لعالم» وقد يكون الجر ظاهرا نحو «مررت بزيد» وقد يكون مقدرا نحو «مررت بليلى» وقد يكون محلا نحو «مررت بك».
(٣) الذي ذهب إلى أن الجزم ليس بإعراب هو أبو عثمان المازني ، زعم أن الجزم عدم الحركة ، وقال : إنا نعرف الإعراب بأنه «أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل» ولما كان الجزم عدما لم يكن أثرا يجلبه العامل ، لأن العدم لا يكون مجلوبا ، ومن أجل أنه لا يصدق عليه تعريف الإعراب لا يكون إعرابا ، وقد قال المؤلف عن هذا الرأي إنه