وفي حديث ابن عباس عند الترمذي «إذا قضى ربنا أمرا سبح له حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال : «ثم أهل كل سماء» الحديث. وذلك لا يقتضي أنه المراد في آية سورة سبأ وإنما هذه صفة تلقي الملائكة أمر الله في الدنيا والآخرة فكانت أقوالهم على سنة واحدة.
وليس تخريج البخاري والترمذي هذا الحديث في الكلام على تفسير سورة سبأ مرادا به أنه وارد في ذلك ، وإنما يريد أن من صور معناه ما ذكر في سورة سبأ. وهذا يغنيك عن الالتجاء إلى تكلفات تعسّفوها في تفسير هذه الآية وتعلّقها بما قبلها.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤))
انتقال من دمغ المشركين بضعف آلهتهم وانتفاء جدواها عليهم في الدنيا والآخرة إلى إلزامهم بطلان عبادتها بأنها لا تستحق العبادة لأن مستحق العبادة هو الذي يرزق عباده فإن العبادة شكر ولا يستحق الشكر إلّا المنعم ، وهذا احتجاج بالدليل النظري لأن الاعتراف بأن الله هو الرزاق يستلزم انفراده بإلهيته إذ لا يجوز أن ينفرد ببعض صفات الإلهية ويشارك في بعض آخر فإن الإلهية حقيقة لا تقبل التجزئة والتبعيض.
وأعيد الأمر بالقول لزيادة الاهتمام بالمقول فإن أصل الأمر بالقول في مقام التصدّي للتبليغ دال على الاهتمام ، وإعادة ذلك الأمر زيادة في الاهتمام.
و (مَنْ) استفهام للتنبيه على الخطأ ولذلك أعقب بالجواب من طرف السائل بقوله:
(قُلِ اللهُ) لتحقق أنهم لا ينكرون ذلك الجواب كما في قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) إلى قوله : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) في سورة يونس [٣١]. وتقدم نظير صدر هذه الآية في سورة الرعد.
وعطف على الاستفهام إبراز المقصد بطريقة خفية توقع الخصم في شرك المغلوبية وذلك بترديد حالتي الفريقين بين حالة هدى وحالة ضلال لأن حالة كل فريق لما كانت على الضد من حال الفريق الآخر بين موافقة الحق وعدمها ، تعين أن أمر الضلال والهدى دائر بين الحالتين لا يعدوانهما. ولذلك جيء بحرف (أَوْ) المفيد للترديد المنتزع من الشک.