التعلق ولم يعين قائله. وخولف في النظم بين الصلتين فجاءت جملة (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ) فعلية ، وجاءت جملة (هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) اسمية لأن الإيمان بالآخرة طارئ على كفرهم السابق ومتجدد ومتزايد آنا فآنا. فكان مقتضى الحال إيراد الفعل في صلة أصحابه. وأما شكهم في الآخرة فبخلاف ذلك هو أمر متأصل فيهم فاجتلبت لأصحابه الجملة الاسمية.
وجيء بحرف الظرفية للدلالة على إحاطة الشك بنفوسهم ويتعلق قوله : (مِنْها) بقوله : «بشك».
وجملة (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) تذييل. والحفيظ : الذي لا يخرج عن مقدرته ما هو في حفظه ، وهو يقتضي العلم والقدرة إذ بمجموعهما تتقوم ماهية الحفظ ولذلك يتبع الحفظ بالعلم كثيرا كقوله تعالى : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف : ٥٥]. وصيغة فعيل تدل على قوة الفعل وأفاد عموم (كُلِّ شَيْءٍ) أنه لا يخرج عن علمه شيء من الكائنات فتنزل هذا التذييل منزلة الاحتراس عن غير المعنى الكنائي من قوله : (لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) ، أي ليظهر ذلك لكل أحد فتقوم الحجة لهم وعليهم.
[٢٢ ، ٢٣] (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣))
كانت قصة سبا قد ضربت مثلا وعبرة للمشركين من قريش وكان في أحوالهم مثيل لأحوال المشركين في أمن بلادهم وتيسير أرزاقهم وتأمين سبلهم في أسفارهم مما أشار إليه قوله تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) تجبى (إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) [القصص : ٥٧] وقوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١] إلى آخر السورة ، ثم فيما قابلوا به نعمة الله بالإشراك به وكفران نعمته وإفحامهم دعاة الخير الملهمين من لدنه إلى دعوتهم ، فلما تقضى خبرهم لينتقل منه إلى تطبيق العبرة على من قصد اعتبارهم انتقالا مناسبته بينة وهو أيضا عود إلى إبطال أقوال المشركين ، وسيق لهم من الكلام ما هو فيه توقيف على أخطائهم ، وأيضا فلما جرى من استهواء الشيطان أهل سبا فاتبعوه وكان الشيطان مصدر الضلال وعنصر الإشراك أعقب ذكره بذكر فروعه وأوليائه.
وافتتح الكلام بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم ما هو متتابع في بقية هذه الآيات