الملائكة يثير تعجب السامع أن يتساءل عن هذه الصفة العجيبة ، فأجيب بهذا الاستئناف بأن مشيئة الله تعالى لا تنحصر ولا توقّت. ولكل جنس من أجناس المخلوقات مقوماته وخواصه. فالمراد بالخلق : المخلوقات كلّها ، أي يزيد الله في بعضها ما ليس في خلق آخر. فيشمل زيادة قوة بعض الملائكة على بعض ، وكل زيادة في شيء بين المخلوقات من المحاسن والفضائل من حصافة عقل وجمال صورة وشجاعة وذلقة لسان ولياقة كلام. ويجوز أن تكون جملة (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) صفة ثانية للملائكة ، أي أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في خلقهم ما يشاء كأنه قيل : مثنى وثلاث ورباع وأكثر ، فما في بعض الأحاديث من كثرة أجنحة جبريل يبين معنى (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ). وعليه فالمراد بالخلق ما خلق عليه الملائكة من أن لبعضهم أجنحة زائدة على من لبعض آخر.
وجملة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تعليل لجملة (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) ، وفي هذا تعريض بتسفيه عقول الذين أنكروا الرسالة وقالوا : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [إبراهيم : ١٠] ، فأجيبوا بقول الرسل (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [إبراهيم : ١١].
(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢))
هذا من بقية تصدير السورة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)[فاطر : ١] ، وهو عطف على (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلخ. والتقدير : وفاتح الرحمة للناس وممسكها عنهم فلا يقدر أحد على إمساك ما فتحه ولا على فتح ما أمسكه.
و (ما) شرطية ، أي اسم فيه معنى الشرط. وأصلها اسم موصول ضمّن معنى الشرط. فانقلبت صلته إلى جملة شرطية وانقلبت جملة الخبر جوابا واقترنت بالفاء لذلك ، فأصل (ما) الشرطية هو الموصولة. ومحل (ما) الابتداء وجواب الشرط أغنى عن الخبر.
و (مِنْ رَحْمَةٍ) بيان لإبهام (ما) والرابط محذوف لأنه ضمير منصوب.
والفتح : تمثيلية لإعطاء الرحمة إذ هي من النفائس التي تشبه المدخرات المتنافس فيها فكانت حالة إعطاء الله الرحمة شبيهة بحالة فتح الخزائن للعطاء ، فأشير إلى هذا التمثيل بفعل الفتح ، وبيانه بقوله : (مِنْ رَحْمَةٍ) قرينة الاستعارة التمثيلية.