ألفا هي العصا العظيمة ، قيل : هي كلمة من لغة الحبشة.
وقرأ نافع وأبو عمرو بألف بعد السين. وقرأه ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وهشام عن ابن عامر بهمزة مفتوحة بعد السين. وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر بهمزة ساكنة بعد السين تخفيفا وهو تخفيف نادر.
وقرأ الجمهور : (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) بفتح الفوقية والموحدة والتحتية. وقرأه رويس عن يعقوب بضم الفوقية والموحدة وكسر التحتية بالبناء للمفعول ، أي تبين الناس الجنّ. و (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) بدل اشتمال من الجن على كلتا القراءتين.
وقوله : (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) إسناد مبهم فصّله قوله : (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) ف (أَنْ) مصدرية والمصدر المنسبك منها بدل من (الْجِنُ) بدل اشتمال ، أي تبينت الجنّ للناس ، أي تبين أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب ، أي تبين عدم علمهم الغيب ، ودليل المحذوف هو جملة الشرط والجواب.
و (الْعَذابِ الْمُهِينِ) : المذل ، أي المؤلم المتعب فإنهم لو علموا الغيب لكان علمهم بالحاصل أزليّا ، وهذا إبطال لاعتقاد العامة يومئذ وما يعتقده المشركون أن الجن يعلمون الغيب فلذلك كان المشركون يستعلمون المغيبات من الكهان ، ويزعمون أن لكل كاهن جنّيّا يأتيه بأخبار الغيب ، ويسمونه رئيّا إذ لو كانوا يعلمون الغيب لكان أن يعلموا وفاة سليمان أهون عليهم.
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥))
جرّ خبر سليمان عليهالسلام إلى ذكر سبأ لما بين ملك سليمان وبين مملكة سبأ من الاتصال بسبب قصة «بلقيس» ، ولأن في حال أهل سبأ مضادة لأحوال داود وسليمان ، إذ كان هذان مثلا في إسباغ النعمة على الشاكرين ، وكان أولئك مثلا لسلب النعمة عن الكافرين ، وفيهم موعظة للمشركين إذ كانوا في بحبوحة من النعمة فلما جاءهم رسول من المنعم عليهم يذكرهم بربهم ويوقظهم بأنهم خاطئون إذ عبدوا غيره ، كذّبوه وأعرضوا عن النظر في دلالة تلك النعمة على المنعم المتفرد بالإلهية.
وقال ابن عطية عند الكلام على قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) [سبأ : ١٠]