(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢))
لما اقتضى القصر في قوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) [يس : ١١] نفى أن يتعلق الإنذار بالذين لم يتبعوا الذكر ولم يخشوا الرحمن ، وكان في ذلك كناية تعريضية بأن الذين لم ينتفعوا بالإنذار بمنزلة الأموات لعدم انتفاعهم بما ينفع كل عاقل ، كما قال تعالى : لتنذر (مَنْ كانَ حَيًّا) [يس : ٧٠] وكما قال : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) [النمل : ٨٠] استطرد عقب ذلك بالتخلّص إلى إثبات البعث فإن التوفيق الذي حفّ بمن اتبع الذكر وخشي الرحمن هو كإحياء الميت لأن حالة الشرك حالة ضلال يشبه الموت ، والإخراج منه كإحياء الميت ؛ فهذه الآية اشتملت بصريحها على علم بتحقيق البعث واشتملت بتعريضها على رمز واستعارتين ضمنيتين : استعارة الموتى للمشركين ، واستعارة الإحياء للإنقاذ من الشرك ، والقرينة هي الانتقال من كلام إلى كلام لما يومئ إليه الانتقال من سبق الحضور في المخيلة فيشمل المتكلم مما كان يتكلم في شأنه إلى الكلام فيما خطر له. وهذه الدلالة من مستتبعات المقام وليست من لوازم معنى التركيب. وهذا من أدق التخلص بحرف (إنّ) لأن المناسبة بين المنتقل منه والمنتقل إليه تحتاج إلى فطنة ، وهذا مقام خطاب الذكيّ المذكور في مقدمة علم المعاني.
فيكون موقع جملة «إنا نحيي الموتى» استئنافا ابتدائيا لقصد إنذار الذين لم يتبعوا الذكر ، ولم يخشوا الرحمن ، وهم الذين اقتضاهم جانب النفي في صيغة القصر.
ويجوز أن يكون الإحياء مستعارا للإنقاذ من الشرك ، والموتى : استعارة لأهل الشكر ، فإحياء الموتى توفيق من آمن من الناس إلى الإيمان كما قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢] الآية.
فتكون الجملة امتنانا على المؤمنين بتيسير الإيمان لهم ، قال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥] ، وموقع الجملة موقع التعليل لقوله : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس : ١١].
والمراد بكتابة ما قدموا الكناية عن الوعد بالثواب على أعمالهم الصالحة والثواب على آثارهم.