تصديق لها لأنه يدفع موهم بطلانها عند من يجد خلافها في القرآن وما عسى أن يكون قد نقل على تحريف أو تأويل فقد دخل فيما أخرجه القصر. وقد بين القرآن معظمه وكشف عن مواقعه كقوله : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) [البقرة : ٨٥].
ومعنى «ما بين يديه» ما سبقه لأن السابق يجيء متقدّما على المسبوق فكأنه يمشي بين يديه كقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [سبأ : ٤٦]. والمراد بما بين يديه ما قبله من الشرائع ، وأهمها شريعة موسى وشريعة عيسى عليهماالسلام.
وانتصب (مُصَدِّقاً) على الحال من (الْكِتابِ) والعامل في الحال فعل (أَوْحَيْنا) ليفيد أنه مع كونه حقّا بالغا في الحقيّة فهو مصدق للكتب الحقّة ، ومقرر لما اشتملت عليه من الحق.
(إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ).
تذييل جامع لما تضمنته الآيات قبله من تفضيل بعض عباد الله على بعض ومن انطواء ضمائرهم على الخشية وعدمها ، وإقبال بعضهم على الطاعات وإعراض بعض ، ومن تفضيل بعض كتب الله على بعض المقتضي أيضا تفضيل بعض المرسلين بها على بعض ، فموقع قوله : (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) موقع إقناع السامعين بأن الله عليم بعباده وهو يعاملهم بحسب ما يعلم منهم ، ويصطفي منهم من علم أنه خلقه كفئا لاصطفائه ، فألقم بهذا الذين قالوا : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) [ص : ٨] حجرا ، وكأولئك أيضا الذين ينكرون القرآن من أهل الكتاب بعلة أنه جاء مبطلا لكتابهم.
والخبير : العالم بدقائق الأمور المعقولة والمحسوسة والظاهرة والخفية.
والبصير : العالم بالأمور المبصرة. وتقديم الخبير على البصير لأنه أشمل. وذكر البصير عقبه للعناية بالأعمال التي هي من المبصرات وهي غالب شرائع الإسلام ، وقد تكرر إرداف الخبير بالبصير في مواضع كثيرة من القرآن.
والتأكيد ب (إِنَ) واللام للاهتمام بالمقصود من هذا الخبر.
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢))
(ثُمَ) للترتيب الرتبي كما هو شأنها في عطفها الجمل فهي هنا لعطف الجمل عطفا