آيات أخرى مثل قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) [الفرقان : ٢٧] الآية.
والندامة : التحسّر من عمل فات تداركه. وقد تقدمت عند قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) في سورة المائدة [٣١].
(وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ [٣٣]).
عطف على جملة (إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ) [سبأ : ٣١]. والتقدير : ولو ترى إذ جعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا. وجواب (لو) المحذوف جواب للشرطين.
و (الْأَغْلالَ) : جمع غلّ بضم الغين ، وهو دائرة من حديد أو جلد على سعة الرقبة توضع في رقبة المأسور ونحوه ويشد إليها بسلسلة أو سير من جلد أو حبل ، وتقدم في أول سورة الرعد. وجعل الأغلال في الأعناق شعار على أنهم يساقون إلى ما يحاولون الفرار والانفلات منه. وتقدم عند قوله تعالى : (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) في الرعد [٥]. و (الَّذِينَ كَفَرُوا) هم هؤلاء الذين جرت عليهم الضمائر المتقدمة فالإتيان بالاسم الظاهر وكونه موصولا للإيماء إلى أن ذلك جزاء الكفر ، ولذلك عقب بجملة (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، كأن سائلا استعظم هذا العذاب وهو تعريض بهم.
والاستفهام ب (هَلْ) مستعمل في الإنكار باعتبار ما يعقبه من الاستثناء ، فتقدير المعنى : هل جزوا بغير ما كانوا يعملون ، والاستثناء مفرّغ.
و (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) هو المفعول الثاني لفعل (يُجْزَوْنَ) لأن (جزى) يتعدّى إلى مفعول ثان بنفسه لأنه من باب أعطى ، كما يتعدى إليه بالباء على تضمينه معنى : عوّضه.
وجعل جزاؤهم ما كانوا يعملون على معنى التشبيه البليغ ، أي مثل ما كانوا يعملون ، وهذه المماثلة كناية عن المعادلة فيما يجاوزونه بمساواة الجزاء للأعمال التي جوزوا عليها حتى كأنه نفسها كقوله تعالى : (جَزاءً وِفاقاً) [النبأ : ٢٦].
واعلم أن كونه مماثلا في المقدار أمر لا يعلمه إلّا مقدّر الحقائق والنيات ، وأما كونه (وِفاقاً) في النوع فلأن وضع الأغلال في الأعناق منع من حرية التصرف في أنفسهم فناسب نوعه أن يكون جزاء على ما عبّدوا به أنفسهم لأصنامهم كما قال تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥] وما تقبلوه من استعباد زعمائهم وكبرائهم إياهم قال تعالى :