ما هذا الذي قال ، فلما كثر استعمالها بدون ذكر اسم الموصول قيل إن (ذا) بعد الاستفهام تصير اسم موصول ، وقد يذكر الموصول بعدها كقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) [البقرة : ٢٥٥].
وقرأ ابن عامر ويعقوب (فُزِّعَ) بفتح الفاء وفتح الزاي مشددة بصيغة البناء للفاعل ، أي فزّع الله عن قلوبهم.
وقد ورد في أحاديث الشفاعة عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن الله يقول لآدم : «أخرج بعث النار من ذريتك» ، وفي حديث أنس في شفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم لأهل المحشر كلهم «ليدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار». وفيه أن الأنبياء أبوا أن يشفعوا وأن أهل المحشر أتوا محمدا صلىاللهعليهوسلم وأنه استأذن ربه في ذلك فقال له : «سل تعط واشفع تشفّع» ، وفي حديث أبي سعيد «أن النبي صلىاللهعليهوسلم يشفع لعمه أبي طالب فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه تغلي منه أم دماغه».
وجملة (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) تتمة جواب المجيبين ، عطفوا تعظيم الله بذكر صفتين من صفات جلاله ، وهما صفة (الْعَلِيُ) وصفة (الْكَبِيرُ).
والعلو : علوّ الشأن الشامل لمنتهى الكمال في العلم.
والكبر : العظمة المعنوية ، وهي منتهى القدرة والعدل والحكمة ، وتخصيص هاتين الصفتين لمناسبة مقام الجواب ، أي قد قضى بالحق لكل أحد بما يستحقه فإنه لا يخفى عليه حال أحد ولا يعوقه عن إيصاله إلى حقه عائق ولا يجوز دونه حائل. وتقدم ذكر هاتين الصفتين في قوله : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) في سورة الحج [٦٢].
واعلم أنه قد ورد في صفة تلقّي الملائكة الوحي أن من يتلقى من الملائكة الوحي يسأل الذي يبلغه إليه بمثل هذا الكلام كما في حديث أبي هريرة في «صحيح البخاري» وغيره : أن نبيء الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا : ما ذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحقّ وهو العلي الكبير» ا ه. فمعنى قوله في الحديث : قضى صدر منه أمر التكوين الذي تتولى الملائكة تنفيذه ، وقوله في الحديث : «في السماء» يتعلق ب «قضى» بمعنى أوصل قضاءه إلى السماء حيث مقرّ الملائكة ، وقوله : «خضعانا لقوله» أي خوفا وخشية ، وقوله : (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) أي أزيل الخوف عن نفوسهم.