قَبْلِكَ) [فاطر : ٤]. والتقدير : إن يكذبوك فلا تحزن ، ولا تحسبهم مفلتين من العقاب على ذلك إذ قد كذب الأقوام الذين جاءتهم رسل من قبل هؤلاء وقد عاقبناهم على تكذيبهم.
فالفاء في قوله : (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فاء فصيحة أو تفريع على المحذوف.
وجملة (جاءَتْهُمْ) صلة (الَّذِينَ) ، و (مِنْ قَبْلِهِمْ) في موضع الحال من اسم الموصول مقدّم عليه أو متعلق ب (جاءَتْهُمْ).
و (ثُمَ) عاطفة جملة (أَخَذْتُ) على جملة (جاءَتْهُمْ) أي ثمّ أخذتهم ، وأظهر (الَّذِينَ كَفَرُوا) في موضع ضمير الغيبة للإيماء إلى أن أخذهم لأجل ما تضمنته صلة الموصول من أنهم كفروا.
والأخذ مستعار للاستئصال والإفناء ؛ شبه إهلاكهم جزاء على تكذيبهم بإتلاف المغيرين على عدوّهم يقتلونهم ويغنمون أموالهم فتبقى ديارهم بلقعا كأنهم أخذوا منها.
و (كيف) استفهام مستعمل في التعجيب من حالهم وهو مفرع بالفاء على (أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، والمعنى : أخذتهم أخذا عجيبا كيف ترون أعجوبته. وأصل (كيف) أن يستفهم به عن الحال فلما استعمل في التعجيب من حال أخذهم لزم أن يكون حالهم معروفا ، أي يعرفه النبي صلىاللهعليهوسلم وكلّ من بلغته أخبارهم فعلى تلك المعرفة المشهورة بني التعجيب.
والنكير : اسم لشدة الإنكار ، وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب.
وحذفت ياء المتكلم تخفيفا ولرعاية الفواصل في الوقف لأن الفواصل يعتبر فيها الوقت ، وتقدم في سبأ.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧))
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها).
استئناف فيه إيضاح ما سبقه من اختلاف أحوال الناس في قبول الهدى ورفضه بسبب ما تهيأت خلقة النفوس إليه ليظهر به أن الاختلاف بين أفراد الأصناف والأنواع ناموس جبلّي فطر الله عليه مخلوقات هذا العالم الأرضي.