وقد طويت جمل من وراء (حَتَّى) ، والتقدير : إلا لمن أذن له ويومئذ يبقى الناس مرتقبين الإذن لمن يشفع ، فزعين من أن لا يؤذن لأحد زمنا ينتهي بوقت زوال الفزع عن قلوبهم حين يؤذن للشافعين بأن يشفعوا ، وهو إيجاز حذف.
و (إِذا) ظرف للمستقبل وهو مضاف إلى جملة (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) ومتعلق ب (قالُوا).
و (فُزِّعَ) قرأه الجمهور بضم الفاء وكسر الزاي مشددة ، وهو مضاعف فزع. والتضعيف فيه للإزالة مثل : قشّر العود ، ومرّض المريض إذا باشر علاجه ، وبني للمجهول لتعظيم ذلك التفزيع بأنه صادر من جانب عظيم ، ففيه جانب الآذن فيه ، وجانب المبلغ له وهو الملك.
والتفزيع يحصل لهم بانكشاف إجمالي يلهمونه فيعلمون بأن الله أذن بالشفاعة ثم يتطلبون التفصيل بقولهم : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) ليعلموا من أذن له ممن لم يؤذن له ، وهذا كما يكرّر النظر ويعاود المطالعة من ينتظر القبول ، أو هم يتساءلون عن ذلك من شدة الخشية فإنهم إذا فزّع عن قلوبهم تساءلوا لمزيد التحقق بما استبشروا به فيجابون أنه قال الحق.
فضمير (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) عائد على بعض مدلول قوله : (لِمَنْ أَذِنَ لَهُ). وهم الذين أذن للشفعاء بقبول شفاعتهم منهم وهم يوجهون هذا الاستفهام إلى الملائكة الحافّين ، وضمير (قالُوا الْحَقَ) عائد إلى المسئولين وهم الملائكة.
ويظهر أن كلمة (الْحَقَ) وقعت حكاية لمقول الله بوصف يجمع متنوع أقوال الله تعالى حينئذ من قبول شفاعة في بعض المشفوع فيهم ومن حرمان لغيرهم كما يقال : ما ذا قال القاضي للخصم؟ فيقال : قال الفصل. فهذا حكاية لمقول الله بالمعنى.
وانتصاب (الْحَقَ) على أنه مفعول (قالُوا) يتضمن معنى الكلام ، أي قال الكلام الحق ، كقوله :
وقصيدة تأتي الملوك غريبة |
|
قد قلتها ليقال من ذا قالها |
هذا هو المعنى الذي يقتضيه نظم الآية ويلتئم مع معانيها. وقد ذهبت في تفسيرها أقوال كثير من المفسرين طرائق قددا ، وتفرقوا بددا بددا.
و (ذا) من قوله : (ما ذا) إشارة عوملت معاملة الموصول لأن أصل : (ما ذا قالَ) :