الإيمان بما فيه لأنه يداخل القلب كما قال الوليد بن المغيرة «إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر». أتبعت صلة (اتَّبَعَ الذِّكْرَ) بجملة (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) ، فكان المراد من اتّباع الذكر أكمل أنواعه الذي لا يعقبه إعراض فهو مؤدّ إلى امتثال المتبعين ما يدعوهم إليه.
وخشية الرحمن : تقواه في خويصة أنفسهم ، وهؤلاء هم المؤمنون تنويها بشأنهم وبشأن الإنذار ، فهذا قسيم قوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) [يس : ٧] وهو بقية تفصيل قوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) [يس : ٦]. والغرض تقوية داعية الرسولصلىاللهعليهوسلم في الإنذار ، والثناء على الذين قبلوا نذارته فآمنوا.
فمعنى فعل تنذر هو الإنذار المترتب عليه أثره من الخشية والامتثال ، كأنه قيل : إنما تنذر فينتذر من اتبع الذكر ، أي من ذلك شأنهم لأنهم آمنوا ويتقون.
والتعبير بفعل المضيّ للدلالة على تحقيق الاتّباع والخشية. والمراد : ابتداء الاتّباع.
ثم فرع على هذا التنويه الأمر بتبشير هؤلاء بمغفرة ما كان منهم في زمن الجاهلية وما يقترفون من اللمم.
والجمع بين تنذر و «بشر» فيه محسن الطباق ، مع بيان أن أول أمرهم الإنذار وعاقبته التبشير.
والأجر : الثواب على الإيمان والطاعات ، ووصفه بالكريم لأنه الأفضل في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) في سورة النمل [٢٩].
والتعبير بوصف (الرَّحْمنَ) دون اسم الجلالة لوجهين : أحدهما : أن المشركين كانوا ينكرون اسم الرحمن ، كما قال تعالى : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠]. والثاني : الإشارة إلى أن رحمته لا تقتضي عدم خشيته فالمؤمن يخشى الله مع علمه برحمته فهو يرجو الرحمة.
فالقصر المستفاد من قوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) وهو قصر الإنذار على التعلّق ب (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) وخشي الله هو بالتأويل الذي تؤوّل به معنى فعل (تُنْذِرُ) ، أي حصول فائدة الإنذار يكون قصرا حقيقيا ، وإن أبيت إلّا إبقاء فعل (تُنْذِرُ) على ظاهر استعمال الأفعال وهو الدلالة على وقوع مصادرها فالقصر ادعائي بتنزيل إنذار الذين لم يتبعوا الذكر ولم يخشوا منزلة عدم الإنذار في انتفاء فائدته.