معلوم من قولهما (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) وكونه ربّ الناس معلوم بالأحرى لأنّ فرعون علّمهم أنه هو الرب.
والتعذيب الذي سألاه الكفّ عنه هو ما كان فرعون يسخّر له بني إسرائيل من الأعمال الشاقّة في الخدمة ، لأنه كان يعدّ بني إسرائيل كالعبيد والخول جزاء إحلالهم بأرضه.
وجملة (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) فيها بيان لجملة (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) فكانت الأولى إجمالا والثانية بيانا. وفيها معنى التعليل لتحقيق كونهما مرسلين من الله بما يظهره الله على يد أحدهما من دلائل الصدق. وكلا الغرضين يوجب فصل الجملة عن التي قبلها.
واقتصر على أنهما مصاحبان لآية إظهارا لكونهما مستعدّين لإظهار الآية إذا أراد فرعون ذلك. فأما إن آمن بدون احتياج إلى إظهار الآية يكن إيمانه أكمل ، ولذلك حكي في سورة الأعراف [١٦] قول فرعون : (قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). وهذه الآية هي انقلاب العصا حيّة ، وقد تبعتها آيات أخرى.
والاقتصار على طلب إطلاق بني إسرائيل يدلّ على أن موسى أرسل لإنقاذ بني إسرائيل وتكوين أمّة مستقلّة ؛ بأن يبثّ فيهم الشريعة المصلحة لهم والمقيمة لاستقلالهم وسلطانهم ، ولم يرسل لخطاب القبط بالشريعة ومع ذلك دعا فرعون وقومه إلى التوحيد لأنه يجب عليه تغيير المنكر الذي هو بين ظهرانيه.
وأيضا لأنّ ذلك وسيلة إلى إجابته طلب إطلاق بني إسرائيل. وهذا يؤخذ مما في هذه الآية وما في آية سورة الإسراء وما في آية سورة النازعات والآيات الأخرى.
والسّلام : السلامة والإكرام. وليس المراد به هنا التحيّة ، إذ ليس ثمّ معيّن يقصد بالتحيّة. ولا يراد تحيّة فرعون لأنها إنما تكون في ابتداء المواجهة لا في أثناء الكلام ، وهذا كقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في كتابه إلى هرقل وغيره : «أسلم تسلم».
و (على) للتمكّن ، أي سلامة من اتبع الهدى ثابتة لهم دون ريب. وهذا احتراس ومقدمة للإنذار الذي في قوله (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ، فقوله: (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) [طه : ٤٧] تعريض بأن يطلب فرعون الهدى الذي جاء به موسى ـ عليهالسلام ـ.
وقوله (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا) تعريض لإنذاره على التكذيب قبل حصوله منه ليبلغ