ومعنى (لا يَمْلِكُونَ) لا يستطيعون ، فإنّ الملك يطلق على المقدرة والاستطاعة. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) في سورة العقود [٧٦].
[٨٨ ـ ٩٥] (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥))
عطف على جملة (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُ) [مريم : ٦٦] أو على جملة (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) [مريم : ٨١] إتماما لحكاية أقوالهم ، وهو القول بأن لله ولدا ، وهو قول المشركين : الملائكة بنات الله. وقد تقدم في سورة النحل وغيرها ؛ فصريح الكلام رد على المشركين ، وكنايته تعريض بالنّصارى الذين شابهوا المشركين في نسبة الولد إلى الله ، فهو تكملة للإبطال الذي في قوله تعالى آنفا : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ) [مريم : ٣٥] إلخ.
والضمير عائد إلى المشركين ، فيفهم منه أنّ المقصود من حكاية قولهم ليس مجرد الإخبار عنهم ، أو تعليم دينهم ولكن تفظيع قولهم وتشنيعه ، وإنما قالوا ذلك تأييدا لعبادتهم الملائكة والجن واعتقادهم شفعاء لهم.
وذكر (الرَّحْمنُ) هنا حكاية لقولهم بالمعنى ، وهم لا يذكرون اسم الرحمن ولا يقرون به ، وقد أنكروه كما حكى الله عنهم : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠] ، فهم إنما يقولون : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) كما حكي عنهم في آيات كثيرة منها آية سورة الكهف [٤]. فذكر (الرَّحْمنُ) هنا وضع للمرادف في موضع مرادفه ، فذكر اسم (الرَّحْمنُ) لقصد إغاظتهم بذكر اسم أنكروه.
وفيه أيضا إيماء إلى اختلال قولهم لمنافاة وصف الرحمن اتخاذ الولد كما سيأتي في قوله : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً).
والخطاب في (لَقَدْ جِئْتُمْ) للذين قالوا اتخذ الرحمن ولدا ، فهو التفات لقصد إبلاغهم التوبيخ على وجه شديد الصراحة لا يلتبس فيه المراد ، كما تقدم في قوله آنفا : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] فلا يحسن تقدير : قل لقد جئتم.