أن يقتسما العمل الضروري لحياتهما فيقلّ زمن اشتغالهما بالضروريات وتتوفّر الأوقات لأداء الرسالة. وتلك فائدة عظيمة لكليهما في التبليغ.
والذي ألجأ موسى إلى سؤال ذلك علمه بشدّة فرعون وطغيانه ومنعه الأمة من مفارقة ضلالهم ، فعلم أنّ في دعوته فتنة للداعي فسأل الإعانة على الخلاص من تلك الفتنة ليتوفّرا للتسبيح والذكر كثيرا.
وجملة (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) تعليل لسؤاله شرح صدره وما بعده ، أي لأنك تعلم حالي وحال أخي ، وأنّي ما دعوتك بما دعوت إلا لأننا محتاجان لذلك ، وفيه تفويض إلى الله تعالى بأنه أعلم بما فيه صلاحهم ، وأنه ما سأل سؤاله إلّا بحسب ما بلغ إليه علمه.
وقوله (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) وعد له بالإجابة ، وتصديق له فيما توسمه من المصالح فيما سأله لنفسه ولأخيه.
والسؤل بمعنى المسئول. وهو وزن فعل بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز ، والأكل بمعنى المأكول. وهذا يدل على أن العقدة زالت عن لسانه ، ولذلك لم يحك فيما بعد أنّه أقام هارون بمجادلة فرعون. ووقع في التّوراة في الإصحاح السابع من سفر الخروج : «فقال الرب لموسى أنت تتكلّم بكلّ ما أمرك به وهارون أخوك يكلّم فرعون».
[٣٧ ـ ٤١] (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١))
جملة (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ) معطوفة على جملة (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ) [طه : ٣٦] لأنّ جملة (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ) تتضمن منّة عليه ، فعطف عليها تذكير بمنّة عليه أخرى في وقت ازدياده ليعلم أنّه لما كان بمحل العناية من ربّه من أوّل أوقات وجوده فابتدأه بعنايته قبل سؤاله فعنايته به بعد سؤاله أحرى ، ولأن تلك العناية الأولى تمهيد لما أراد الله به من الاصطفاء والرسالة ، فالكرم يقتضي أن الابتداء بالإحسان يستدعي الاستمرار عليه. فهذا