النعمة والترفه ، من قولهم : ريّان من النّعيم. وأصله من الريّ ضد العطش ، لأنّ الريّ يستعار للتنعم كما يستعار التلهّف للتألّم.
[٧٥ ـ ٧٦] (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦))
هذا جواب قولهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم : ٧٣]. لقن الله رسوله صلىاللهعليهوسلم كشف مغالطتهم أو شبهتهم ؛ فأعلمهم بأن ما هم فيه من نعمة الدنيا إنما هو إمهال من الله إيّاهم ، لأنّ ملاذ الكافر استدراج. فمعيار التفرقة بين النّعمة الناشئة عن رضى الله تعالى على عبده وبين النعمة التي هي استدراج لمن كفر به هو النظر إلى حال من هو في نعمة بين حال هدى وحال ضلال. قال تعالى في شأن الأولين : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل : ٩٧]. وقال في شأن الآخرين (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٥ ، ٥٦].
والمعنى : أن من كان منغمسا في الضلالة اغترّ بإمهال الله له فركبه الغرور كما ركبهم إذ قالوا (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا).
واللّام في قوله (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) لام الأمر أو الدعاء ، استعملت مجازا في لازم معنى الأمر ، أي التحقيق ، أي فسيمد له الرحمن مدا ، أي إن ذلك واقع لا محالة على سنّة الله في إمهال الضّلال ، إعذارا لهم ، كما قال تعالى : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) [فاطر : ٣٧] ، وتنبيها للمسلمين أن لا يغتروا بإنعام الله على الضّلال حتى أنّ المؤمنين يدعون الله به لعدم اكتراثهم بطول مدة نعيم الكفّار.
فإن كان المقصود من (قُلْ) أن يقول النبي ذلك للكفّار فلام الأمر مجرد مجاز في التحقيق ، وإن كان المقصود أن يبلّغ النبي ذلك عن الله أنه قال ذلك فلام الأمر مجاز أيضا وتجريد بحيث إنّ الله تعالى يأمر نفسه بأن يمد لهم.
والمدّ : حقيقته إرخاء الحبل وإطالته ، ويستعمل مجازا في الإمهال كما هنا ، وفي الإطالة كما في قولهم : مدّ الله في عمرك.