ويجوز أن تكون الياء من السامريّ غير ياء نسب بل حرفا من اسم مثل : ياء عليّ وكرسيّ ، فيكون اسما أصليا أو منقولا في العبرانية ، وتكون اللّام في أوّله زائدة.
وذكر الزمخشري والقرطبي خليطا من القصة : أن السامريّ اسمه موسى بن ظفر ـ بفتح الظاء المعجمة وفتح الفاء ـ وأنه ابن خالة موسى ـ عليهالسلام ـ أو ابن خاله ، وأنه كفر بدين موسى بعد أن كان مؤمنا به ، وزاد بعضهم على بعض تفاصيل تشمئزّ النفس منها.
واعلم أن السامريين لقب لطائفة من اليهود يقال لهم أيضا السامرة ، لهم مذهب خاص مخالف لمذهب جماعة اليهوديّة في أصول الدّين ، فهم لا يعظمون بيت المقدس وينكرون نبوءة أنبياء بني إسرائيل عدا موسى وهارون ويوشع ، وما كانت هذه الشذوذات فيهم إلّا من بقايا تعاليم الإلحاد التي كانوا يتلقونها في مدينة السامرة المبنيّة على التساهل والاستخفاف بأصول الدين والترخّص في تعظيم آلهة جيرتهم الكنعانيين أصهار ملوكهم ، ودام ذلك الشذوذ فيهم إلى زمن عيسى ـ عليهالسلام ـ ففي إنجيل متى إصحاح ١٠ وفي إنجيل لوقا إصحاح ٩ ما يقتضي أن بلدة السامريين كانت منحرفة على اتباع المسيح ، وأنه نهى الحواريين عن الدخول إلى مدينتهم.
ووقعت في كتاب الخروج من التوراة في الإصحاح الثاني والثلاثين زلّة كبرى ، إذ زعموا أنّ هارون صنع العجل لهم لمّا قالوا له : «اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأنا لا نعلم ما ذا أصاب موسى في الجبل فصنع لهم عجلا من ذهب». وأحسب أنّ هذا من آثار تلاشي التّوراة الأصلية بعد الأسر البابلي ، وأن الذي أعاد كتبها لم يحسن تحرير هذه القصة. ومما نقطع به أنّ هارون معصوم من ذلك لأنه رسول.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦))
الغضب : انفعال للنفس وهيجان ينشأ عن إدراك ما يسوؤها ويسخطها دون خوف ، والوصف منه غضبان.
والأسف : انفعال للنفس ينشأ من إدراك ما يحزنها وما تكرهه مع انكسار الخاطر. والوصف منه أسف. وقد اجتمع الانفعالان في نفس موسى لأنه يسوؤه وقوع ذلك في أمته وهو لا يخافهم ، فانفعاله المتعلّق بحالهم غضب ، وهو أيضا يحزنه وقوع ذلك وهو في