غيرة على جانب الله تعالى ، وفيه أيضا تحرز من رسوخ عقيدة الكفر في نفس الطاغي فيصير الرجاء في إيمانه بعد ذلك أضعف منه فيما قبل ، وتلك مفسدة في نظر الدّين. وحصلت مع ذلك رعاية الفاصلة.
قال الله (لا تَخافا) ، أي لا تخافا حصول شيء من الأمرين ، وهو نهي مكنى به عن نفي وقوع المنهي عنه.
وجملة (إِنَّنِي مَعَكُما) تعليل للنهي عن الخوف الذي هو في معنى النفي ، والمعيّة معيّة حفظ.
و (أَسْمَعُ وَأَرى) حالان من ضمير المتكلم ، أي أنا حافظكما من كل ما تخافانه ، وأنا أعلم الأقوال والأعمال فلا أدع عملا أو قولا تخافانه.
ونزل فعلا (أَسْمَعُ وَأَرى) منزلة اللازمين إذ لا غرض لبيان مفعولهما بل المقصود : أني لا يخفى عليّ شيء. وفرع عليه إعادة الأمر بالذهاب إلى فرعون.
والإتيان : الوصول والحلول ، أي فحلّا عنده ، لأنّ الإتيان أثر الذهاب المأمور به في الخطاب السابق ، وكانا قد اقتربا من مكان فرعون لأنهما في مدينته ، فلذا أمرا بإتيانه ودعوته.
وجاءت تثنية رسول على الأصل في مطابقة الوصف الذي يجري عليه في الإفراد وغيره.
وفعول الذي بمعنى مفعول تجوز فيه المطابقة ، كقولهم ناقة طروقة الفحل ، وعدم المطابقة كقولهم : وحشية خلوج ، أي اختلج ولدها. وجاء الوجهان في نحو (رسول) وهما وجهان مستويان. ومن مجيئه غير مطابق قوله تعالى في سورة الشعراء [١٦] : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) وسيجيء تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله.
وأدخل فاء التفريع على طلب إطلاق بني إسرائيل لأنّه جعل طلب إطلاقهم كالمستقرّ المعلوم عند فرعون ؛ إما لأنّه سبقت إشاعة عزمهما على الحضور عند فرعون لذلك المطلب ، وإما لأنه جعله لأهميته كالمقرّر. وتفريع ذلك على كونهما مرسلين من الله ظاهر ، لأنّ المرسل من الله تجب طاعته.
وخصّا الربّ بالإضافة إلى ضمير فرعون قصدا لأقصى الدعوة ، لأنّ كون الله ربّهما