مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) [الأنعام : ١٥٦]. فالضمير في قوله (مِنْ قَبْلِهِ) عائد إلى القرآن الذي الكلام عليه ، أو على الرسول باعتبار وصفه بأنه بيّنة ، أو على إتيان البيّنة المأخوذ من (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) [طه : ١٣٣].
وفي هذه الآية دليل على أنّ الإيمان بوحدانية خالق الخلق يقتضيه العقل لو لا حجب الضلالات والهوى ، وأن مجيء الرسل لإيقاظ العقول والفطر ، وأن الله لا يؤاخذ أهل الفترة على الإشراك حتى يبعث إليهم رسولا ، وأنّ قريشا كانوا أهل فترة قبل بعثة محمدصلىاللهعليهوسلم.
ومعنى (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) : أنهم يقولون ذلك يوم الحساب بعد أن أهلكهم الله الإهلاك المفروض ، لأنّ الإهلاك بعذاب الدنيا يقتضي أنهم معذبون في الآخرة.
و (لو لا) حرف تحضيض ، مستعمل في اللوم أو الاحتجاج لأنّه قد فات وقت الإرسال ، فالتقدير : هلّا كنت أرسلت إلينا رسولا وانتصب (فَنَتَّبِعَ) على جواب التحضيض باعتبار تقدير حصوله فيما مضى.
والذل : الهوان. والخزي : الافتضاح ، أي الذل بالعذاب. والخزي في حشرهم مع الجناة كما قال إبراهيم ـ عليهالسلام ـ (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء : ٨٧].
(قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥))
جواب عن قولهم (لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) [طه : ١٣٣] وما بينهما اعتراض.
والمعنى : كل فريق متربص فأنتم تتربصون بالإيمان ، أي تؤخرون الإيمان إلى أن تأتيكم آية من ربّي ، ونحن نتربص أن يأتيكم عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، وتفرع عليه جملة (فَتَرَبَّصُوا). ومادة الفعل المأمور به مستعملة في الدوام بالقرينة ، نحو (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦] ، أي فداوموا على تربصكم.
وصيغة الأمر فيه مستعملة في الإنذار ، ويسمى المتاركة ، أي نترككم وتربصكم لأنا