العذاب لهم إنما نعدّ لهم عدّا ، وعبر ب (تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) معدى بحرف الاستعلاء إكراما للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن نزل منزلة الذي هلاكهم بيده. فنهى عن تعجيله بهلاكهم. وذلك إشارة إلى قبول دعائه عند ربّه ، فلو دعا عليهم بالهلاك لأهلكهم الله كيلا يردّ دعوة نبيئهصلىاللهعليهوسلم لأنه يقال : عجل على فلان بكذا ، أي أسرع بتسليطه عليه ، كما يقال : عجل إليه إذا أسرع بالذهاب إليه كقوله : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤] ، فاختلاف حروف تعدية فعل عجل ينبئ عن اختلاف المعنى المقصود بالتعجيل.
ولعل سبب الاختلاف بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) في سورة الأحقاف [٣٥] أنّ المراد هنا استعجال الاستئصال والإهلاك وهو مقدّر كونه على يد النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلذلك قيل هنا : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) ، أي انتظر يومهم الموعود ، وهو يوم بدر ، ولذلك عقب بقوله : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) ، أي ننظرهم ونؤجلهم ، وأنّ العذاب المقصود في سورة الأحقاف هو عذاب الآخرة لوقوعه في خلال الوعيد لهم بعذاب النار لقوله هنالك : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٤ ، ٣٥].
والعدّ : الحساب.
و (إِنَّما) للقصر ، أي ما نحن إلا نعدّ لهم ، وهو قصر موصوف على صفة قصرا إضافيا ، أي نعد لهم ولسنا بناسين لهم كما يظنون ، أو لسنا بتاركيهم من العذاب بل نؤخرهم إلى يوم موعود.
وأفادت جملة (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) تعليل النهي عن التعجيل عليهم لأن (إِنَّما) مركبة من (إنّ) و (ما) وإنّ تفيد التعليل كما تقدّم غير مرّة.
وقد استعمل العدّ مجازا في قصر المدّة لأن الشيء القليل يعدّ ويحسب. وفي هذا إنذار باقتراب استئصالهم.
[٨٥ ـ ٨٧] (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧))
إتمام لإثبات قلة غناء آلهتهم عنهم تبعا لقوله : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم : ٨٢].