الذي يرغبه بالإذن له بسؤال الزيادة من العلم ، فإن ذلك مجمع كل زيادة سواء كانت بإنزال القرآن أم بغيره من الوحي والإلهام إلى الاجتهاد تشريعا وفهما ، إيماء إلى أن رغبته في التعجل رغبة صالحة كقول النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر حين دخل المسجد فوجد النبي راكعا فلم يلبث أن يصل إلى الصف بل ركع ودبّ إلى الصف راكعا فقال له : «زادك الله حرصا ولا تعد».
(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥))
لما كانت قصة موسى ـ عليهالسلام ـ مع فرعون ومع قومه ذات عبرة للمكذبين والمعاندين الذين كذبوا النبي صلىاللهعليهوسلم وعاندوه ، وذلك المقصود من قصصها كما أشرنا إليه آنفا عند قوله (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) [طه : ٩٩ ، ١٠٠] فكأن النبي صلىاللهعليهوسلم استحب الزيادة من هذه القصص ذات العبرة رجاء أن قومه يفيقون من ضلالتهم كما أشرنا إليه قريبا عند قوله (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه : ١١٤] ؛ أعقبت تلك القصة بقصة آدم ـ عليهالسلام ـ وما عرّض له به الشيطان ، تحقيقا لفائدة قوله (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤]. فالجملة عطف قصة على قصة والمناسبة ما سمعت.
والكلام معطوف على جملة (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ). وافتتاح الجملة بحرف التحقيق ولام القسم لمجرد الاهتمام بالقصة تنبيها على قصد التنظير بين القصتين في التفريط في العهد ، لأن في القصة الأولى تفريط بني إسرائيل في عهد الله ، كما قال فيها (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) [طه : ٨٦] ، وفي قصة آدم تفريطا في العهد أيضا. وفي كون ذلك من عمل الشيطان كما قال في القصة الأولى (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه : ٩٦] وقال في هذه (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) [طه: ١٢٠]. وفي أن في القصتين نسيانا لما يجب الحفاظ عليه وتذكره فقال في القصة الأولى (فَنَسِيَ) [طه : ١٦] وقال في هذه القصة (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً).
وعليه فقوله (مِنْ قَبْلُ) حذف ما أضيف إليه (قبل). وتقديره : من قبل إرسال موسى أو من قبل ما ذكر ، فإن بناء (قبل) على الضم علامة حذف المضاف إليه ونيّة معناه. والذي ذكر : إما عهد موسى الذي في قوله تعالى : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) [طه : ١٣] وقوله (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) [طه : ١٦] ؛ وإما عهد الله