[٩٩ ـ ١٠١] (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١))
جملة مستأنفة تذييلية أفادت التنويه بقصّة رسالة موسى وما عقبها من الأعمال التي جرت مع بني إسرائيل ابتداء من قوله (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى * إِذْ رَأى ناراً) [طه : ٩ ، ١٠] ، أي مثل هذا القصص نقصّ عليك من أنباء القرون الماضية. والإشارة راجعة إلى القصة المذكورة.
والمراد بقوله (نَقُصُ) قصصنا ، وإنما صيغ المضارع لاستحضار الحالة الحسنة في ذلك القصص.
والتشبيه راجع إلى تشبيهها بنفسها كناية عن كونها إذا أريد تشبيهها وتقريبها بما هو أعرف منها في بابها لم يجد مريد ذلك طريقا لنفسه في التشبيه إلا أن يشبهها بنفسها ، لأنها لا يفوقها غيرها في بابها حتى تقرّب به ، على نحو ما تقدم في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣] ، ونظائره كثيرة في القرآن.
و (من) في قوله (مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) تبعيضية ، هي صفة لمحذوف تقديره : قصصا من أنباء ما قد سبق. ولك أن تجعل (من) اسما بمعنى بعض ، فتكون مفعول (نَقُصُ).
والأنباء : الأخبار. و (ما) الموصولة ما صدقها الأزمان ، لأنّ الأخبار تضاف إلى أزمانها ، كقولهم : أخبار أيام العرب ، والقرون الوسطى. وهي كلها من حقها في الموصولية أن تعرف ب (ما) الغالبة في غير العاقل. ومعلوم أن المقصود ما فيها من أحوال الأمم ، فلو عرفت ب (من) الغالبة في العقلاء لصح ذلك وكل ذلك واسع.
وقوله (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) إيماء إلى أن ما يقص من أخبار الأمم ليس المقصود به قطع حصة الزمان ولا إيناس السامعين بالحديث إنما المقصود منه العبرة والتذكرة وإيقاظ لبصائر المشركين من العرب إلى موضع الاعتبار من هذه القصة ، وهو إعراض الأمة عن هدي رسولها وانصياعها إلى تضليل المضللين من بينها. فللإيماء إلى هذا قال تعالى : (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً* خالِدِينَ فِيهِ).