والشقيّ : الذي أصابته الشقوة ، وهي ضد السعادة ، أي هي الحرمان من المأمول وضلال السّعي. وأطلق نفي الشقاوة والمراد حصول ضدها وهو السعادة على طريق الكناية إذ لا واسطة بينهما عرفا.
ومثل هذا التركيب جرى في كلامهم مجرى المثل في حصول السعادة من شيء. ونظيره قوله تعالى في هذه السورة في قصة إبراهيم : (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم : ٤٨] أي عسى أن أكون سعيدا. أي مستجاب الدعوة. وفي حديث أبي هريرة عن النبيصلىاللهعليهوسلم فيما يرويه عن ربّه في شأن الذين يذكرون الله ومن جالسهم «هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم» أي يسعد معهم. وقال بعض الشعراء ، لم نعرف اسمه وهو إسلامي :
وكنت جليس قعقاع بن شور |
|
ولا يشقى بقعقاع جليس |
أي يسعد به جليسه.
والمعنى : لم أكن فيما دعوتك من قبل مردود الدعوة منك ، أي أنه قد عهد من الله الاستجابة كلما دعاه.
وهذا تمهيد للإجابة من طريق غير طريق التمهيد الذي في الجمل المصاحبة له بل هو بطريق الحث على استمرار جميل صنع الله معه ، وتوسل إليه بما سلف له معه من الاستجابة.
روي أن محتاجا سأل حاتما الطائي أو معن بن زائدة قائلا : «أنا الذي أحسنت إليّ يوم كذا» فقال : «مرحبا بمن توسل بنا إلينا».
وجملة (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) عطف على جملة (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) ، أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي. وما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي صالح عن النبي صلىاللهعليهوسلم مرسلا أنه قال : «يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله». فلعلّه خشي سوء معرفتهم بما يخلّفه من الآثار الدينية والعلمية. وتلك أعلاق يعزّ على المؤمن تلاشيها ، ولذلك قال : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) فإن نفوس الأنبياء لا تطمح إلا لمعالي الأمور ومصالح الدين وما سوى ذلك فهو تبع.
فقوله (يَرِثُنِي) يعني به وراثة ماله. ويؤيّده ما أخرجه عبد الرزاق عن قتادة عن الحسن أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله».
والظواهر تؤذن بأن الأنبياء كانوا يورثون ، قال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)