أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) فإنّه بعد أن قرّب إليهم الإماء من جانب الوحدة الدينية قرّبهنّ إليهم من جانب الوحدة النوعية ، وهو أنّ الأحرار والعبيد كلّهم من بني آدم ف (من) اتّصالية.
وفرّع عن الأمر بنكاح الإماء بيان كيفية ذلك فقال : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) وشرط الإذن لئلّا يكون سرّا وزني ، ولأنّ نكاحهنّ دون ذلك اعتداء على حقوق أهل الإماء.
والأهل هنا بمعنى السّادة المالكين ، وهو إطلاق شائع على سادة العبيد في كلام الإسلام. وأحسب أنّه من مصطلحات القرآن تلطّفا بالعبيد ، كما وقع النهي أن يقول العبد لسيّده : سيّدي ، بل يقول : مولاي. ووقع في حديث بريرة «أنّ أهلها أبوا إلّا أن يكون الولاء لهم».
والآية دليل على ولاية السيّد لأمته ، وأنّه إذا نكحت الأمة بدون إذن السيّد فالنكاح مفسوخ ، ولو أجازه سيّدها. واختلف في العبد : فقال الشعبي : والأوزاعي ، وداود : هو كالأمة. وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وجماعة من التابعين : إذا أجازه السيد جاز ، ويحتجّ بها لاشتراط أصل الولاية في المرأة ، احتجاجا ضعيفا ، واحتجّ بها الحنفية على عكس ذلك ، إذ سمّى الله ذلك إذنا ولم يسمّه عقدا ، وهو احتجاج ضعيف ، لأنّ الإذن يطلق على العقد لا سيما بعد أن دخلت عليه باء السببية المتعلّقة ب (انكحوهنّ).
والقول في الأجور والمعروف تقدّم قريبا. غير أنّ قوله : (وَآتُوهُنَ) وإضافة الأجور إليهنّ ، دليل على أنّ الأمة أحقّ بمهرها من سيّدها. ولذلك قال مالك في كتاب الرهون ، من المدونة : إنّ على سيّدها أن يجهّزها بمهرها. ووقع في كتاب النكاح الثاني منها : إنّ لسيّدها أن يأخذ مهرها ، فقيل : هو اختلاف من قول مالك ، وقيل : إنّ قوله في كتاب النكاح : إذا لم تبوّأ أو إذا جهّزها من عنده قبل ذلك ، ومعنى تبوّأ إذا جعل سكناها مع زوجها في بيت سيّدها.
وقوله : (مُحْصَناتٍ) حال من ضمير الإماء ، والإحصان التزوّج الصحيح ، فهي حال مقدّرة ، أي ليصرن محصنات.
وقوله : (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) صفة للحال ، وكذلك (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) قصد منها تفظيع ما كانت ترتكبه الإماء في الجاهلية بإذن مواليهنّ لاكتساب المال بالبغاء ونحوه ، وكان الناس يومئذ قريبا عصرهم بالجاهلية.