أخذ المال منهنّ بدون ذلك يوهم أنّه أخذه في محل الإذن بأخذه ، هذا أظهر الوجوه في جعل هذا الأخذ بهتانا.
وأمّا كونه إثما مبيّنا فقد جعل هنا حالا بعد الإنكار ، وشأن مثل هذا الحال أن تكون معلومة الانتساب إلى صاحبها حتّى يصبح الإنكار باعتبارها ، فيحتمل أنّ كونها إثما مبيّنا قد صار معلوما للمخاطبين من قوله : (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) ، أو من آية البقرة [٢٢٩] (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) أو ممّا تقرّر عندهم من أنّ حكم الشريعة في الأموال أن لا تحلّ إلّا عن طيب نفس.
وقوله : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) استفهام تعجيبي بعد الإنكار ، أي ليس من المروءة أن تطمعوا في أخذ عوض عن الفراق بعد معاشرة امتزاج وعهد متين. والإفضاء الوصول ، مشتقّ من الفضاء ، لأنّ في الوصول قطع الفضاء بين المتواصلين والميثاق الغليظ عقدة النكاح على نيّة إخلاص النيّة ودوام الألفة ، والمعنى أنّكم كنتم على حال مودة وموالاة ، فهي في المعنى كالميثاق على حسن المعاملة.
والغليظ صفة مشبّهة من غلظ ـ بضمّ اللام ـ إذا صلب ، والغلظة في الحقيقة صلابة الذوات ، ثم استعيرت إلى صعوبة المعاني وشدّتها في أنواعها ، قال تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) [التوبة : ١٢٣]. وقد ظهر أنّ مناط التحريم هو كون أخذ المال عند طلب استبدال الزوجة بأخرى ، فليس هذا الحكم منسوخا بآية البقرة خلافا لجابر بن زيد إذ لا إبطال لمدلول هذه الآية.
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢))
عطف على جملة (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) [النساء : ١٩] ، والمناسبة أنّ من جملة أحوال إرثهم النساء كرها ، أن يكون ابن الميّت أولى بزوجة أبيه ، إذا لم تكن أمّه ، فنهوا عن هذه الصورة نهيا خاصّا مغلّظا ، وتخلّص منه إلى إحصاء المحرّمات.
و (ما نَكَحَ) بمعنى الذي نكح مراد به الجنس ، فلذلك حسن وقع (ما) عوض (من) لأنّ (من) تكثير في الموصول المعلوم ، على أنّ البيان بقوله : (مِنَ النِّساءِ) سوّى بين (ما ـ ومن) فرجحت (ما) لخفّتها ، والبيان أيضا يعيّن أن تكون (ما) موصولة. وعدل عن أن يقال : لا تنكحوا نساء آبائكم ليدلّ بلفظ نكح على أنّ عقد الأب على المرأة كاف