بعض ما سعى إليه ، فتمنّى أحد شيئا لم يسع إليه ولم يكن من حقوقه ، هو تمنّ غير عادل ، فحقّ النهي عنه ؛ أو المعنى استحقّ أولئك نصيبهم ممّا كسبوا ، أي ممّا شرع لهم من الميراث ونحوه ، فلا يحسد أحد أحدا على ما جعل له من الحقّ ، لأنّ الله أعلم بأحقّيّة بعضكم على بعض.
وقوله : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) إن كان عطفا على قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) إلخ ، الذي هو علّة النهي عن التمنّي ، فالمعنى : للرجال مزاياهم وحقوقهم ، وللنساء مزاياهنّ وحقوقهنّ ، فمن تمنّى ما لم يعدّ لصنفه فقد اعتدى ، لكن يسأل الله من فضله أن يعطيه ما أعدّ لصنفه من المزايا ، ويجعل ثوابه مساويا لثواب الأعمال التي لم تعدّ لصنفه ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم للنساء : «لكن أفضل الجهاد حجّ مبرور» ؛ وإن كان عطفا على النهي في قوله : و (لا تَتَمَنَّوْا) فالمعنى : لا تتمنّوا ما في يد الغير واسألوا الله من فضله فإنّ فضل الله يسع الإنعام على الكلّ ، فلا أثر للتمنّي إلّا تعب النفس. وقرأ الجمهور: (وَسْئَلُوا) ـ بإثبات الهمزة بعد السين الساكنة وهي عين الفعل ـ وقرأه ابن كثير ، والكسائي ـ بفتح السين وحذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى السين الساكن قبلها تخفيفا ـ.
وقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) تذييل مناسب لهذا التكليف ، لأنّه متعلّق بعمل النفس لا يراقب فيه إلّا ربّه.
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣))
الجملة معطوفة على جملة (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) [النساء: ٣٢] باعتبار كونه جامعا لمعنى النهي عن الطمع في مال صاحب المال ، قصد منها استكمال تبيين من لهم حقّ في المال.
وشأن (كلّ) إذا حذف ما تضاف إليه أن يعوّض التنوين عن المحذوف ، فإن جرى في الكلام ما يدلّ على المضاف إليه المحذوف قدّر المحذوف من لفظه أو معناه ، كما تقدم في قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) في سورة البقرة [١٤٨] ، وكذلك هنا فيجوز أن يكون المحذوف ممّا دلّ عليه قوله ـ قبله ـ (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) ـ (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) [النساء : ٧] فيقدّر : ولكلّ الرجال والنساء جعلنا موالي ، أو لكلّ تارك جعلنا موالي.
ويجوز أن يقدّر : ولكلّ أحد أو شيء جعلنا موالي.