والمسافحات الزواني مع غير معيّن. ومتّخذات الأخدان هنّ متّخذات أخلّاء تتّخذ الواحدة خليلا تختصّ به لا تألف غيره. وهذا وإن كان يشبه النكاح من جهة عدم التعدّد ، إلّا أنّه يخالفه من جهة التستّر وجهل النسب وخلع برقع المروءة ، ولذلك عطفه على قوله : (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) سدّ المداخل الزنا كلّها. وتقدّم الكلام على أنواع المعاشرة التي كان عليها أهل الجاهلية في أول هذه السورة.
وقرأه الكسائي ـ بكسر الصاد ـ وقرأه الجمهور ـ بفتح الصاد ـ.
وقوله : (فَإِذا أُحْصِنَ) أي أحصنهنّ أزواجهن ، أي فإذا تزوجن. فالآية تقتضي أنّ التزوّج شرط في إقامة حدّ الزنا على الإماء ، وأنّ الحدّ هو الجلد المعيّن لأنّه الذي يمكن فيه التنصيف بالعدد. واعلم أنّا إذا جرينا على ما حقّقناه ممّا تقدّم في معنى الآية الماضية تعيّن أن تكون هذه الآية نزلت بعد شرع حدّ الجلد للزانية والزاني بآية سورة النور. فتكون مخصّصة لعموم الزانية بغير الأمة ، ويكون وضع هذه الآية في هذا الموضع ممّا ألحق بهذه السورة إكمالا للأحكام المتعلّقة بالإماء كما هو واقع في نظائر عديدة ، كما تقدّم في المقدّمة الثامنة من مقدّمات هذا التفسير. وهذه الآية تحيّر فيها المتأوّلون لاقتضائها أن لا تحدّ الأمة في الزنى إلّا إذا كانت متزوّجة ، فتأوّلها عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وابن عمر بأنّ الإحصان هنا الإسلام ، ورأوا أنّ الأمة تحدّ في الزنا سواء كانت متزوّجة أم عزبى ، وإليه ذهب الأئمّة الأربعة. ولا أظنّ أنّ دليل الأئمّة الأربعة هو حمل الإحصان هنا على معنى الإسلام ، بل ما
ثبت في «الصحيحين» أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؛ فأوجب عليها الحدّ. قال ابن شهاب فالأمة المتزوّجة محدودة بالقرآن ، والأمة غير المتزوّجة محدودة بالسنّة. ونعم هذا الكلام. قال القاضي إسماعيل بن إسحاق : في حمل الإحصان في الآية على الإسلام بعد ؛ لأنّ ذكر إيمانهن قد تقدّم في قوله : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) وهو تدقيق ، وإن أباه ابن عطية.
وقد دلّت الآية على أنّ حدّ الأمة الجلد ، ولم تذكر الرجم ، فإذا كان الرجم مشروعا قبل نزولها دلّت على أنّ الأمة لا رجم عليها ، وهو مذهب الجمهور ، وتوقّف أبو ثور في ذلك ، وإن كان الرجم قد شرع بعد ذلك فلا تدلّ الآية على نفي رجم الأمة ، غير أنّ قصد التنصيف في حدّها يدلّ على أنّها لا يبلغ بها حدّ الحرّة ، فالرجم ينتفي لأنّه لا يقبل التجزئة ، وهو ما ذهل عنه أبو ثور. وقد روي عن عمر بن الخطاب : أنّه سئل عن حدّ الأمة فقال : «الأمة ألقت فروة رأسها من وراء الدار» أي ألقت في بيت أهلها قناعها ، أي