وقال أبو الحسن لا يجوز ذلك إلا في الشعر ، ولم يأت عليه بشاهد.
قال أبو الحسن : وقد يجوز ما امتنع من ذلك بتأويل. نحو : رأيت فرسا وحمارا آخر
بتأويل أنّه دابّة ، وقول امرئ القيس :
إذا قلت هذا صاحبي ورضيته |
|
وقرّت به العينان بدّلت آخرا |
قلت : وقد يجعل بيت كثير من هذا ، ويكون الاعتماد على القرينة.
وقد عدّ في هذا القبيل قول العرب : «تربت يمين الآخر» ، وفي الحديث : قال الأعرابي للنبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الآخر وقع على أهله في رمضان» كناية عن نفسه ، وكأنّه من قبيل التجريد. أي جرّد من نفسه شخصا تنزيها لنفسه من أن يتحدّث عنها بما ذكره. وفي حديث الأسلمي في «الموطأ» : أنّه قال لأبي بكر «إنّ الآخر قد زنى» وبعض أهل الحديث يضبطونه ـ بالقصر وكسر الخاء ـ ،. وصوّبه المحقّقون.
وفي الآية إشارة إلى أنّ الله سيخلف من المشركين قوما آخرين مؤمنين ، فإنّ الله أهلك بعض المشركين على شركه بعد نزول هذه الآية ، ولم يشأ إهلاك جميعهم. وفي الحديث : لعلّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤))
لمّا كان شأن التقوى عظيما على النفوس ، لأنّها يصرفها عنها استعجال الناس لمنافع الدنيا على خيرات الآخرة ، نبّههم الله إلى أنّ خير الدنيا بيد الله ، وخير الآخرة أيضا ، فإن اتقوه نالوا الخيرين.
ويجوز أن تكون الآية تعليما للمؤمنين أن لا يصدّهم الإيمان عن طلب ثواب الدنيا ، إذ الكلّ من فضل الله. ويجوز أن تكون تذكيرا للمؤمنين بأن لا يلهيهم طلب خير الدنيا عن طلب الآخرة ، إذ الجمع بينهما أفضل ، وكلاهما من عند الله ، على نحو قوله : «فمنهم من يقول ربّنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب بما كسبوا» أو هي تعليم للمؤمنين أن لا يطلبوا خير الدنيا من طرق الحرام ، فإنّ في الحلال سعة لهم ومندوحة ، وليتطلّبوه من الحلال يسهّل لهم الله حصوله ، إذ الخير كلّه بيد الله ، فيوشك أن يحرم من