عليها الفتاة كما أطلق عليها الجارية ، وعلى العبد الغلام ، وهو مجاز بعلاقة اللزوم ، لأنّ العبد والأمة يعاملان معاملة الصغير في الخدمة ، وقلّة المبالاة. ووصف المؤمنات عقب الفتيات مقصود للتقييد عند كافّة السلف ، وجمهور أئمّة الفقه ، لأنّ الأصل أن يكون له مفهوم ، ولا دليل يدلّ على تعطيله ، فلا يجوز عندهم نكاح أمة كتابية. والحكمة في ذلك أنّ اجتماع الرقّ والكفر يباعد المرأة عن الحرمة في اعتبار المسلم ، فيقلّ الوفاق بينهما ، بخلاف أحد الوصفين. ويظهر أثر ذلك في الأبناء إذ يكونون أرقّاء مع مشاهدة أحوال الدّين المخالف فيمتدّ البون بينهم وبين أبيهم. وقال أبو حنيفة : موقع وصف المؤمنات هنا كموقعه مع قوله : (الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) ، فلم يشترط في نكاح الأمة كونها مؤمنة ، قال أبو عمر بن عبد البرّ : ولا أعرف هذا القول لأحد من السلف إلّا لعمرو بن شرحبيل ـ وهو تابعيّ قديم روى عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ؛ ولأنّ أبا حنيفة لا يرى إعمال المفهوم.
وتقدّم آنفا معنى (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
والإضافة في قوله : (أَيْمانُكُمْ) وقوله : (مِنْ فَتَياتِكُمُ) للتقريب وإزالة ما بقي في نفوس العرب من احتقار العبيد والإماء والترفّع عن نكاحهم وإنكاحهم ، وكذلك وصف المؤمنات ، وإن كنّا نراه للتقيد فهو لا يخلو مع ذلك من فائدة التقريب ، إذ الكفاءة عند مالك تعتمد الدين أوّلا.
وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) اعتراض جمع معاني شتّى ، أنّه أمر ، وقيد للأمر في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) إلخ ؛ وقد تحول الشهوة والعجلة دون تحقيق شروط الله تعالى ، فأحالهم على إيمانهم المطّلع عليه ربّهم. ومن تلك المعاني أنّه تعالى أمر بنكاح الإماء عند العجز عن الحرائر ، وكانوا في الجاهلية لا يرضون بنكاح الأمة وجعلها حليلة ، ولكن يقضون منهنّ شهواتهم بالبغاء ، فأراد الله إكرام الإماء المؤمنات ، جزاء على إيمانهنّ ، وإشعارا بأنّ وحدة الإيمان قرّبت الأحرار من العبيد ، فلمّا شرع ذلك كلّه ذيّله بقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) ، أي بقوّته ، فلمّا كان الإيمان ، هو الذي رفع المؤمنين عند الله درجات كان إيمان الإماء مقنعا للأحرار بترك الاستنكاف عن تزوجهنّ ، ولأنّه ربّ أمة يكون إيمانها خيرا من إيمان رجل حرّ ، وهذا كقوله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣]. وقد أشار إلى هذا الأخير صاحب «الكشاف» ، وابن عطية.
وقوله : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) تذييل ثان أكّد به المعنى الثاني المراد من قوله : (وَاللهُ