ومعنى الآية مفصّل في قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) الآيات في سورة العقود [١٠٩].
[١٦٠ ـ ١٦٢] (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢))
إن كان متعلّق قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥] محذوفا على أحد الوجهين المتقدّمين كان قوله : (فَبِظُلْمٍ) مفرّعا على مجموع جرائمهم السالفة. فيكون المراد بظلمهم ظلما آخر غير ما عدّد من قبل ، وإن كان قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥] متعلّقا بقوله : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ) فقوله : (فَبِظُلْمٍ) إلخ بدل مطابق من جملة (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥] بإعادة العامل في البدل منه لطول الفصل. وفائدة الإتيان به أن يظهر تعلّقه بقوله : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) إذ بعد ما بينه وبين متعلّقه ، وهو قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥] ليقوى ارتباط الكلام. وأتي في جملة البدل بلفظ جامع للمبدل منه وما عطف عليه : لأنّ نقض الميثاق ، والكفر ، وقتل الأنبياء ، وقولهم قلوبنا غلف ، وقولهم على مريم بهتانا ، وقولهم قتلنا عيسى : كلّ ذلك ظلم. فكانت الجملة الأخيرة بمنزلة الفذلكة لما تقدّم ، كأنّه قيل : فبذلك كلّه حرّمنا عليهم ، لكن عدل إلى لفظ الظلم لأنّه أحسن تفنّنا ، وأكثر فائدة من الإتيان باسم الإشارة. وقد مرّ بيان ذلك قريبا عند قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥]. ويجوز أن يكون ظلما آخر أجمله القرآن.
وتنكير (ظلم) للتعظيم ، والعدول عن أن يقول «فبظلمهم» ، حتّى تأتي الضمائر متتابعة من قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ) إلى آخره ، إلى الاسم الظاهر وهو (الَّذِينَ هادُوا) لأجل بعد الضمير في الجملة المبدل منها : وهي (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥]. ولأنّ في الموصول وصلته ما يقتضي التنزّه عن الظلم لو كانوا كما وصفوا أنفسهم ، فقالوا : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٥٦] ؛ فصدور الظلم عن الذين هادوا محلّ استغراب.
والآية اقتضت : أنّ تحريم ما حرّم عليهم إنّما كان عقابا لهم ، وأنّ تلك المحرّمات ليس فيها من المفاسد ما يقتضي تحريم تناولها ، وإلّا لحرّمت عليهم من أوّل مجيء