والتقدير لا هم إلى المسلمين ولا هم إلى الكافرين. و (إلى) متعلّقة بمحذوف دلّ عليه معنى الانتهاء ، أي لا ذاهبين إلى هذا الفريق ولا إلى الفريق الآخر ، والذهاب الذي دلّت عليه (إلى) ذهاب مجازي وهو الانتماء والانتساب ، أي هم أضاعوا النسبتين فلا هم مسلمون ولا هم كافرون ثابتون ، والعرب تأتي بمثل هذا التركيب المشتمل على (لا) النافية مكرّرة في غرضين : تارة يقصدون به إضاعة الأمرين ، كقول إحدى نساء حديث أمّ زرع «لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل» وقوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) [القيامة : ٣١] (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) [البقرة : ٧١]. وتارة يقصدون به إثبات حالة وسط بين حالين ، كقوله تعالى : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥] ـ (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) [المائدة : ٦٨] ، وقول زهير :
فلا هو أخفاها ولم يتقدّم
وعلى الاستعمالين فمعنى الآية خفي ، إذ ليس المراد إثبات حالة وسط للمنافقين بين الإيمان والكفر ، لأنّه لا طائل تحت معناه ، فتعيّن أنّه من الاستعمال الأول ، أي ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين. وهم في التحقيق. ، إلى الكافرين. كما دلّ عليه آيات كثيرة. كقوله : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٣٩] وقوله : (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٤١]. فتعيّن أنّ المعنى أنهم أضاعوا الإيمان والانتماء إلى المسلمين ، وأضاعوا الكفر بمفارقة نصرة أهله ، أي كانوا بحالة اضطراب وهو معنى التذبذب. والمقصود من هذا تحقيرهم وتنفير الفريقين من صحبتهم لينبذهم الفريقان.
وقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) الخطاب لغير معيّن ، والمعنى : لم تجد له سبيلا إلى الهدى بقرينة مقابلته بقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤))
أقبل على المؤمنين بالتحذير من موالاة الكافرين بعد أن شرح دخائلهم واستصناعهم للمنافقين لقصد أذى المسلمين ، فعلم السامع أنّه لو لا عداوة الكافرين لهذا الدين لما كان النفاق ، وما كانت تصاريف المنافقين ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ، فهي استئناف ابتدائي ، لأنّها توجيه خطاب بعد الانتهاء من الإخبار