الغيبة ـ على أن يكون ممّا أخبر الله به رسوله صلىاللهعليهوسلم ليبلّغه إليهم.
والفتيل تقدم آنفا عند قوله تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء : ٤٩].
وجملة : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) يجوز أن تكون من تمام القول المحكي بقوله: (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ). وإنّما لم تعطف على جملة : (مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) لاختلاف الغرضين ، لأنّ جملة (مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) وما عطف عليها تغليط لهم في طلب التأخير إلى أجل قريب ، وجملة : (أَيْنَما تَكُونُوا) إلخ مسوقة لإشعارهم بأنّ الجبن هو الذي جملهم على طلب التأخير إلى أمد قريب ، لأنّهم توهّموا أنّ مواقع القتال تدني الموت من الناس. ويحتمل أن يكون القول قد تمّ ، وأنّ جملة (أَيْنَما تَكُونُوا) توجّه إليهم بالخطاب من الله تعالى ، أو توجّه لجميع الأمّة بالخطاب ، فتكون على كلا الأمرين معترضة بين أجزاء الكلام. و (أينما) شرط يستغرق الأمكنة (ولو) في قوله : (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ) وصلية ـ وقد تقدّم تفصيل معناها واستعمالها عند قوله : ـ في سورة آل عمران [٩١] : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ).
والبروج جمع برج ، وهو البناء القويّ والحصن : والمشيّدة : المبنيّة بالشّيد ، وهو الجصّ ، وتطلق على المرفوعة العالية ، لأنّهم إذا أطالوا البناء بنوه بالجصّ ، فالوصف به مراد به المعنى الكنائي. وقد يطلق البروج على منازل كواكب السماء كقوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) [الفرقان : ٦١] وقوله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [البروج : ١]. وعن مالك أنّه قال : البروج هنا بروج الكواكب ، أي ولو بلغتم السماء. وعليه يكون وصف (مُشَيَّدَةٍ) مجازا في الارتفاع ، وهو بصير مجازا في الارتفاع ، وهو بعيد.
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩)).
يتعيّن على المختار ممّا روي في تعيين الفريق الذين ذكروا في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) من أنّهم فريق من المؤمنين المهاجرين أن يكون ضمير الجمع في قوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) عائدا إلى المنافقين لأنّهم معلومون من المقام ، ولسبق ذكرهم في قوله : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [النساء : ٧٢] وتكون الجملة معطوفة عطف