أمر قضي بليل ، أي لم يطّلع عليه أحد ، وقال الحارث بن حلّزة :
أجمعوا أمرهم بليل فلمّا |
|
أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء |
وقال أبو سفيان : هذا أمر قضى بليل. وقال تعالى : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) [النمل : ٤٩] أي : لنقتلنّهم ليلا. وقال : (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) [النساء : ١٠٨]. وتاء المضارعة في (غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) للمؤنث الغائب ، وهو الطائفة ويجوز أن يراد خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي غير الذي تقول لهم أنت ، فيجيبون عنه بقولهم : طاعة. ومعنى (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) التهديد بإعلامهم أنّه لن يفلتهم من عقابه ، فلا يغرّنهم تأخّر العذاب مدّة. وقد دلّ بصيغة المضارع في قوله : (يَكْتُبُ) على تجدّد ذلك ، وأنّه لا يضاع منه شيء.
وقوله : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أمر بعدم الاكتراث بهم ، وأنّهم لا يخشى خلافهم ، وأنّه يتوكّل على الله (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي متوكّلا عليه ، ولا يتوكّل على طاعة هؤلاء ولا يحزنه خلافهم.
وقرأ الجمهور (بَيَّتَ طائِفَةٌ) ـ بإظهار تاء (بيّت) من طاء (طائفة) ـ. وقرأه أبو عمرو ، وحمزة ، ويعقوب ، وخلف ـ بإدغام التاء في الطاء ـ تخفيفا لقرب مخرجيهما.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢))
الفاء تفريع على الكلام السابق المتعلّق بهؤلاء المنافقين أو الكفرة الصرحاء وبتولّيهم المعرض بهم في شأنه بقوله : (وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) [النساء : ٨٠] ، وبقولهم (طاعَةٌ) [النساء : ٨١] ، ثم تدبير العصيان فيما وعدوا بالطاعة في شأنه. ولمّا كان ذلك كلّه أثرا من آثار استبطان الكفر ، أو الشكّ ، أو اختيار ما هو في نظرهم أولى ممّا أمروا به ، وكان استمرارهم على ذلك ، مع ظهور دلائل الدّين ، منبئا بقلّة تفهّمهم القرآن ، وضعف استفادتهم ، كان المقام لتفريع الاستفهام عن قلّة تفهمهم. فالاستفهام إنكاري للتوبيخ والتعجيب منهم في استمرار جهلهم مع توفّر أسباب التدبير لديهم.
تحدّى الله تعالى هؤلاء بمعاني القرآن ، كما تحدّاهم بألفاظه ، لبلاغته إذ كان المنافقون قد شكّوا في أنّ القرآن من عند الله ، فلذلك يظهرون الطاعة بما يأمرهم به ، فإذا خرجوا من مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم خالفوا ما أمرهم به لعدم ثقتهم ، ويشكّكون ويشكّون إذا بدا لهم شيء من التعارض ، فأمرهم الله تعالى بتدبير القرآن كما قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي