ودلّت (مع) على أنّ مكانة مدخولها أرسخ وأعرف ، وفي الحديث الصحيح «أنت مع من أحببت». والصديقون هم الذين صدّقوا الأنبياء ابتداء ، مثل الحواريين والسابقين الأوّلين من المؤمنين. وأمّا الشهداء فهم من قتلوا في سبيل إعلاء كلمة الله. والصالحون الذين لزمتهم الاستقامة.
و (حسن) فعل مراد به المدح ملحق بنعم ومضمّن معنى التعجّب من حسنهم ، وذلك شأن فعل ـ بضم العين ـ من الثلاثي أن يدلّ على مدح أو ذمّ بحسب مادّته مع التعجّب. وأصل الفعل حسن ـ بفتحتين ـ فحوّل إلى فعل ـ بضمّ العين ـ لقصد المدح والتعجّب. و (أُولئِكَ) فاعل (حَسُنَ). و (رَفِيقاً) تمييز ، أي ما أحسنهم حسنوا من جنس الرفقاء. والرفيق يستوي فيه الواحد والجمع ، وفي حديث الوفاة «الرفيق الأعلى». وتعريف الجزأين في قوله : (ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) يفيد الحصر وهو حصر ادعائيّ لأنّ فضل الله أنواع ، وأصناف ، ولكنّه أريد المبالغة في قوّة هذا الفضل ، فهو كقولهم: أنت الرجل.
والتذييل بقوله : (وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) للإشارة إلى أنّ الذين تلبّسوا بهذه المنقبة ، وإن لم يعلمهم الناس ، فإنّ الله يعلمهم والجزاء بيده فهو يوفّيهم الجزاء على قدر ما علم منهم ، وقد تقدّم نظيره في هذه السورة.
[٧١ ـ ٧٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣))
استئناف وانتقال إلى التحريض على الجهاد بمناسبة لطيفة ، فإنّه انتقل من طاعة الرسول إلى ذكر أشدّ التكاليف ، ثمّ ذكر الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين ، وكان الحال أدعى إلى التنويه بشأن الشهادة دون بقية الخلال المذكورة معها الممكنة النوال. وهذه الآية تشير لا محالة إلى تهيئة غزوة من غزوات المسلمين ، وليس في كلام السلف ذكر سبب نزولها ، ولا شكّ أنّها لم تكن أوّل غزوة لأنّ غزوة بدر وقعت قبل نزول هذه السورة ، وكذلك غزوة أحد التي نزلت فيها سورة آل عمران ، وليست نازلة في غزوة الأحزاب لأنّ قوله : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ) يقتضي أنّهم غازون لا مغزوّون ، ولعلّها نزلت لمجرّد التنبيه إلى قواعد الاستعداد لغزو العدوّ ، والتحذير من