إظهارهم الإسلام لهم.
وجملة (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) صفة للمنافقين وحدهم بدليل قوله : (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ).
والتربّص حقيقة في المكث بالمكان ، وقد مرّ قوله : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) في سورة البقرة [٢٢٨]. وهو مجاز في الانتظار وترقّب الحوادث. وتفصيله قوله : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) الآيات. وجعل ما يحصل للمسلمين فتحا لأنّه انتصار دائم ، ونسب إلى الله لأنّه مقدّره ومريده بأسباب خفيّة ومعجزات بيّنة. والمراد بالكافرين هم المشركون من أهل مكة وغيرهم لا محالة ، إذ لا حظّ لليهود في الحرب ، وجعل ما يحصل لهم من النصر نصيبا تحقيرا له ، والمراد نصيب من الفوز في القتال.
والاستحواذ : الغلبة والإحاطة ، أبقوا الواو على أصلها ولم يقلبوها ألفا بعد الفتحة على خلاف القياس. وهذا أحد الأفعال التي صحّحت على خلاف القياس مثل : استجوب ، وقد يقولون : استحاذ على القياس كما يقولون : استجاب واستصاب.
والاستفهام تقريري. ومعنى (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) ألم نتولّ شئونكم ونحيط بكم إحاطة العناية والنصرة ونمنعكم من المؤمنين ، أي من أن ينالكم بأسهم ، فالمنع هنا إمّا منع مكذوب يخيّلونه الكفار واقعا وهو الظاهر ، وإمّا منع تقديري وهو كفّ النصرة عن المؤمنين ، والتجسّس عليهم بإبلاغ أخبارهم للكافرين ، وإلقاء الأراجيف والفتن بين جيوش المؤمنين ، وكلّ ذلك ممّ يضعف بأس المؤمنين إن وقع ، وهذا القول كان يقوله من يندسّ من المنافقين في جيش المسلمين في الغزوات ، وخاصّة إذا كانت جيوش المشركين قرب المدينة مثل غزوة الأحزاب.
وقوله : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الفاء للفصيحة ، والكلام إنذار للمنافقين وكفاية لمهمّ المؤمنين ، بأن فوّض أمر جزاء المنافقين على مكائدهم وخزعبلاتهم إليه تعالى.
وقوله : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) تثبيت للمؤمنين ، لأنّ مثيل هذه الأخبار عن دخائل الأعداء وتألبهم : من عدوّ مجاهر بكفره. وعدو مصانع مظهر للأخوّة ، وبيان هذه الأفعال الشيطانية البالغة أقصى المكر والحيلة ، يثير مخاوف في نفوس المسلمين وقد يخيّل لهم مهاوي الخيبة في مستقبلهم. فكان من شأن التلطّف بهم أن يعقّب