أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥))
عطف قوله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) على قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [النساء : ٢٤] تخصيصا لعمومه بغير الإماء ، وتقييدا لإطلاقه باستطاعة الطّول.
والطّول ـ بفتح الطاء وسكون الواو ـ القدرة ، وهو مصدر طال المجازي بمعنى قدر ، وذلك أنّ الطّول يستلزم المقدرة على المناولة ؛ فلذلك يقولون : تطاول لكذا ، أي تمطّى ليأخذه ، ثم قالوا : تطاول ، بمعنى تكلّف المقدرة «وأين الثريا من يد المتطاول» فجعلوا لطال الحقيقي مصدرا ـ بضم الطاء ـ وجعلوا لطال المجازي مصدرا ـ بفتح الطاء ـ وهو ممّا فرّقت فيه العرب بين المعنيين المشتركين.
(وَالْمُحْصَناتُ) [النساء : ٢٤] قرأه الجمهور ـ بفتح الصاد ـ وقرأه الكسائي ـ بكسر الصاد ـ على اختلاف معنيي (أُحْصِنَّ) كما تقدّم آنفا ، أي اللّاتي أحصنّ أنفسهنّ ، أو أحصنهنّ أولياؤهن ، فالمراد العفيفات. والمحصنات هنا وصف خرج مخرج الغالب ، لأنّ المسلم لا يقصد إلّا إلى نكاح امرأة عفيفة ، قال تعالى : (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣٠] أي بحسب خلق الإسلام ، وقد قيل : إنّ الإحصان يطلق على الحرية ، وأنّ المراد بالمحصنات الحرائر ، ولا داعي إليه ، واللغة لا تساعد عليه.
وظاهر الآية أنّ الطول هنا هو القدرة على بذل مهر لامرأة حرّة احتاج لتزوّجها : أولى ، أو ثانية ، أو ثالثة ، أو رابعة ، لأنّ الله ذكر عدم استطاعة الطول في مقابلة قوله : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢٤] (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) [النساء : ٢٤] ولذلك كان هذا الأصحّ في تفسير الطول. وهو قول مالك ، وقاله ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، والسدّي ، وجابر بن زيد. وذهب أبو حنيفة إلى أنّ من كانت له زوجة واحدة فهي طول فلا يباح له تزوّج الإماء ؛ لأنّه طالب شهوة إذ كانت عنده امرأة تعفّه عن الزنا. ووقع لمالك ما يقرب من هذا في كتاب محمد بن الموّاز ، وهو قول ابن حبيب ، واستحسنه اللخمي والطبري ، وهو تضييق لا يناسب يسر الإسلام على أنّ الحاجة إلى امرأة ثانية قد لا يكون لشهوة بل لحاجة لا تسدّها امرأة واحدة ، فتعيّن الرجوع إلى طلب التزوّج ،