الحد الأقصى من السفاهة بحيث لا يوجد في الناس سفهاء غير هؤلاء فإذا قسم نوع الإنسان أصنافا كان هؤلاء صنف السفهاء فيفهم أنه لا سفيه غيرهم على وجه المبالغة ، والمعنى أن كل من صدر منه هذا القول هو سفيه سواء كان القائل اليهود أو المشركين من أهل مكة.
وضمير الجمع في قوله : (ما وَلَّاهُمْ) عائد إلى معلوم من المقام غير مذكور في اللفظ حكاية لقول السفهاء ، وهم يريدون بالضمير أو بما يعبر عنه في كلامهم أنه عائد على المسلمين.
وفعل (ولاهم) أصله مضاعف ولي إذا دنا وقرب ، فحقه أن يتعدى إلى مفعول واحد بسبب التضعيف فيقال ولاه من كذا أي قربه منه وولاه عن كذا أي صرفه عنه ومنه قوله تعالى هنا (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) ، وشاع استعماله في الكلام فكثر أن يحذفوا حرف الجر الذي يعديه إلى متعلق ثان فبذلك عدوه إلى مفعول ثان كثيرا على التوسع فقالوا ولى فلانا وجهه مثلا دون أن يقولوا ولّى فلان وجهه من فلان أو عن فلان فأشبه أفعال كسا وأعطى ولذلك لم يعبئوا بتقديم أحد المفعولين على الآخر قال تعالى : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) [الأنفال : ١٥] أصله فلا تولوا الأدبار منهم ، فالأدبار هو الفاعل في المعنى لأنه لو رفع لقيل ولي دبره الكافرين ، ومنه قوله تعالى : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) [النساء : ١١٥] أي نجعله واليا مما تولى أي قريبا له أي ملازما له فهذا تحقيق تصرفات هذا الفعل.
وجملة (ما وَلَّاهُمْ) إلخ هي مقول القول فضمائر الجمع كلها عائدة على معاد معلوم من المقام وهم المسلمون ولا يحتمل غير ذلك لئلا يلزم تشتيت الضمائر ومخالفة الظاهر في أصل حكاية الأقوال.
والاستفهام في قوله : (ما وَلَّاهُمْ) مستعمل في التعريض بالتخطئة واضطراب العقل. والمراد بالقبلة في قوله : (عَنْ قِبْلَتِهِمُ) الجهة التي يولّون إليها وجوههم عند الصلاة كما دل عليه السياق وأخبار سبب نزول هذه الآيات.
والقبلة في أصل الصيغة اسم على زنة فعلة بكسر الفاء وسكون العين ، وهي زنة المصدر الدال على هيئة فعل الاستقبال أي التوجه اشتق على غير قياس بحذف السين والتاء ثم أطلقت على الشيء الذي يستقبله المستقبل مجازا وهو المراد هنا لأن الانصراف لا يكون عن الهيئة قال حسان في رثاء أبي بكر رضياللهعنه :