والدعوة إلى طاعته ونحو ذلك ، وفي الحديث القدسي : «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه».
والذكر في قوله : (أَذْكُرْكُمْ) يجيء على المعنيين ، ولا بد من تقدير في قوله : (فَاذْكُرُونِي) على الوجهين لأن الذكر لا يتعلق بذات الله تعالى فالتقدير اذكروا عظمتي وصفاتي وثنائي وما ترتب عليها من الأمر والنهي ، أو اذكروا نعمي ومحامدي ، وهو تقدير من دلالة الاقتضاء ، وأما (أَذْكُرْكُمْ) فهو مجاز ، أي أعاملكم معاملة من ليس بمغفول عنه بزيادة النعم والنصر والعناية في الدنيا ، وبالثواب ورفع الدرجات في الآخرة ، أو أخلق ما يفهم منه الناس في الملأ الأعلى وفي الأرض فضلكم والرضى عنكم ، نحو قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [آل عمران : ١١٠] ، وحسن مصيركم في الآخرة ، لأن الذكر بمعنييه الحقيقيين مستحيل على الله تعالى. ثم إن تعديته للمفعول أيضا على طريق دلالة الاقتضاء إذ ليس المراد تذكر الذوات ولا ذكر أسمائها بل المراد تذكر ما ينفعهم إذا وصل إليهم وذكر فضائلهم.
وقوله : (وَاشْكُرُوا لِي) أمر بالشكر الأعم من الذكر من وجه أو مطلقا ، وتعديته للمفعول باللام هو الأفصح وتسمى هذه اللام لام التبليغ ولام التبيين كما قالوا نصح له ونصحه كقوله تعالى : (فَتَعْساً لَهُمْ) [محمد : ٨] وقول النابغة :
شكرت لك النّعمى وأثنيت جاهدا |
|
وعطّلت أعراض العبيد بن عامر |
وقوله : (وَلا تَكْفُرُونِ) نهي عن الكفران للنعمة ، والكفران مراتب أعلاها جحد النعمة وإنكارها ثم قصد إخفائها ، ثم السكوت عن شكرها غفلة وهذا أضعف المراتب وقد يعرض عن غير سوء قصد لكنه تقصير.
قال ابن عرقة : «ليس عطف قوله : (وَلا تَكْفُرُونِ) بدليل على أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده وذلك لأن الأمر بالشكر مطلق (أي لأن الأمر لا يدل على التكرار فلا عموم له) فيصدق بشكره يوما واحدا فلما قال (وَلا تَكْفُرُونِ) أفاد النهي عن الكفر دائما» اه ، يريد لأن الفعل في سياق النهي يعم ، مثل الفعل في سياق النفي لأن النهي أخو النفي.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤))
هذه جمل معترضة بين قوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة: ١٥٠] وما اتصل به من تعليله بقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) [البقرة