الرّوع في ضمير السامع وتربية المهابة ، ولتكون هذه الجملة كالكلام الجامع مستقلا بنفسه ، لأنها بمنزلة المثل أمر قد علمه الناس من قبل ، والعقاب هو الجزاء المؤلم عن جناية وجرم ، سمي عقابا لأنه يعقب الجناية.
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))
استئناف بالرجوع إلى أحوال كفار العرب المعنيين من الآيات السابقة قصدا وتعريضا من قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البقرة : ٢١٠] ، والمحتج عليهم بقوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٢١١] استئنافا لبيان خلقهم العجيب المفضي بهم إلى قلة الاكتراث بالإيمان وأهله إلى الاستمرار على الكفر وشعبه التي سبق الحديث عنها ، فعن ابن عباس المراد : رؤساء قريش ، فهذا الاستئناف في معنى التعليل للأحوال الماضية ، ولأجل ذلك قطع عن الجمل السابقة لا سيما وقد حال بينه وبينها الاستطراد بقوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٢١١] الآية ، وليس المراد بالذين كفروا أهل الكتاب من معلن ومنافق كما روي عن مقاتل ، لأنه ليس من اصطلاح القرآن التعبير عنهم بالذين كفروا ، ولأنهم لو كانوا هم المراد لقيل زين لهم الحياة الدنيا ، لأنهم من بني إسرائيل ، ولأن قوله : (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يناسب حال المشركين لا حال أهل الكتاب كما سيأتي.
والتزيين : جعل الشيء زينا أو الاحتجاج لكونه زينا ، لأن التفعيل يأتي للجعل ويأتي للنسبة كالتعليم وكالتفسيق والتزكية ، والزّين شدة الحسن.
والحياة الدنيا مراد بها ما تشتمل عليه الحياة من اللّذّات والملائمات والذوات الحسنة ، وهذا إطلاق مشهور للحياة وما يرادفها ؛ ففي الحديث : «من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها» أي إلى منافع دنيا ، وهو على حذف مضاف اشتهر حذفه.
ومعنى تزيين الحياة لهم ، إما أن ما خلق زينا في الدنيا قد تمكّن من نفوسهم واشتد توغلهم في استحسانه ، لأن الأشياء الزّينة هي حسنة في أعين جميع الناس فلا يختص الذين كفروا بجعلها لهم زينة كما هو مقتضى قوله : (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ؛ فإن اللام تشعر بالاختصاص ، وإما ترويج تزيينها في نفوسهم بدعوة شيطانية تحسّن ما ليس بالحسن كالأقيسة الشّعرية والخواطر الشهوية.