(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠))
الأحسن عندي أن يكون عطفا على قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [البقرة: ١٦٨] ، فإن المقصود بالخطاب في ذلك هم المشركون فإنهم الذين ائتمروا لأمره بالسوء والفحشاء ، وخاصة بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون ، والمسلمون محاشون عن مجموع ذلك.
وفي هذه الآية المعطوفة زيادة تفظيع لحال أهل الشرك ، فبعد أن أثبت لهم اتباعهم خطوات الشيطان فيما حرّموا على أنفسهم من الطيبات ، أعقب ذلك بذكر إعراضهم عمن يدعوهم إلى اتباع ما أنزل الله ، وتشبثوا بعدم مخالفتهم ما ألفوا عليه آباءهم ، وأعرضوا عن الدعوة إلى غير ذلك دون تأمل ولا تدبر.
(بَلْ) إضراب إبطال ، أي أضربوا عن قول الرسول ، (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) ، إضراب إعراض بدون حجة إلّا بأنه مخالف لما ألفوا عليه آباءهم.
وفي ضمير لهم التفات من الخطاب الذي في قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [البقرة : ١٦٨].
والمراد بما ألفوا عليه آباءهم ، ما وجدوهم عليه من أمور الشرك كما قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] والأمة : الملة وأعظم ذلك عبادة الأصنام.
وقوله : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) كلام من جانب آخر للرد على قولهم (نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ، فإن المتكلم لما حكاه عنهم رد قولهم هذا باستفهام يقصد منه الرد ثم التعجيب ، فالهمزة مستعملة في الإنكار كناية وفي التعجيب إيماء ، والمراد بالإنكار الرد والتخطئة لا الإنكار بمعنى النفي.
و (لو) للشرط وجوابها محذوف دل عليه الكلام السابق ، تقديره : لاتّبعوهم ، والمستفهم عنه هو الارتباط الذي بين الشرط وجوابه ، وإنما صارت الهمزة للرد لأجل
__________________
ـ العمل صار المظنون معلوما وانقلب الظن علما ، فتقليد المجتهد ليس من اتباع الظن في شيء ، وزعم ذلك من اتباع الظن وتحقيقه في الأصول» «روح المعاني» (٢ / ٤٠) ، ط المنيرية.