لازمه ، وهو الوعد على الامتثال ، على جميع التقادير ، والعذر في الحنث على التقدير الأول ، والتحذير من الحلف على التقدير الثاني.
وقد دلت الآية على معنى عظيم وهو أن تعظيم الله لا ينبغي أن يجعل وسيلة لتعطيل ما يحبه الله من الخير ، فإن المحافظة على البر في اليمين ترجع إلى تعظيم اسم الله تعالى ، وتصديق الشهادة به على الفعل المحلوف عليه ، وهذا وإن كان مقصدا جليلا يشكر عليه الحالف الطالب للبر ؛ لكن التوسل به لقطع الخيرات مما لا يرضى به الله تعالى ، فقد تعارض أمران مرضيان لله تعالى إذا حصل أحدهما لم يحصل الآخر. والله يأمرنا أن نقدم أحد الأمرين المرضيين له ، وهو ما فيه تعظيمه بطلب إرضائه ، مع نفع خلقه بالبر والتقوى والإصلاح ، دون الأمر الذي فيه إرضاؤه بتعظيم اسمه فقط ، إذ قد علم الله تعالى أن تعظيم اسمه قد حصل عند تحرج الحالف من الحنث ، فبر اليمين أدب مع اسم الله تعالى ، والإتيان بالأعمال الصالحة مرضاة لله ؛ فأمر الله بتقديم مرضاته على الأدب مع اسمه ، كما قيل : الامتثال مقدّم على الأدب. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفّرت عن يميني وفعلت الذي هو خير» ، ولأجل ذلك لما أقسم أيوب أن يضرب امرأته مائة جلدة ، أمره الله أن يأخذ ضغثا من مائة عصا فيضربها به ، وقد علم الله أن هذا غير مقصد أيوب ؛ ولكن لما لم يرض الله من أيوب أن يضرب امرأته نهاه عن ذلك ، وأمره بالتحلل محافظة على حرص أيوب على البر في يمينه ، وكراهته أن يتخلف منه معتاده في تعظيم اسم ربه ، فهذا وجه من التحلة ، أفتى الله به نبيه. ولعل الكفّارة لم تكن مشروعة فهي من يسر الإسلام وسماحته ، فقد كفانا الله ذلك إذ شرع لنا تحلّة اليمين بالكفّارة ؛ ولذلك صار لا يجزئ في الإسلام أن يفعل الحالف مثل ما فعل أيوب.
[(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥))
استئناف بياني لأن الآية السابقة لما أفادت النهي عن التسرع بالحلف إفادة صريحة أو التزامية ، كانت نفوس السامعين بحيث يهجس بها التفكر والتطلع إلى حكم اليمين التي تجري على الألسن. ومناسبته لما قبله ظاهرة لا سيما إن جعلت قوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) [البقرة : ٢٢٤] نهيا عن الحلف.
والمؤاخذة مفاعلة من الأخذ بمعنى العد والمحاسبة ، يقال أخذه بكذا أي عده عليه