قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) بذلك الاعتبار الذي بيناه آنفا وهو أنه تعليل الامتثال فالمعنى أمرتكم بذلك لأتم نعمتي عليكم باستيفاء أسباب ذلك الإتمام ومنها أن تكون قبلتكم إلى أفضل بيت بني لله تعالى ، ومعلوم أن تمام النعمة بامتثال ما أمرنا به وجماع ذلك الاستقامة وبها دخول الجنة. وقد روى الترمذي عن النبي صلىاللهعليهوسلم «إتمام النعمة دخول الجنة» ، أي غاية إتمام النعمة علينا دخول الجنة ولم يكن ذلك في تفسير هذه الآية ولكنه من جملة معناها (١) فالمراد بالإتمام هنا إعطاء الشيء وافرا من أول الأمر لا إتمامه بعد أن كان ناقصا ، فهو قريب من قوله تعالى : (فَأَتَمَّهُنَ) [البقرة : ١٢٤] أي امتثلهن امتثالا تاما وليس المراد أنه فعل بعضها ثم فعل بعضا آخر ، فمعنى الآية ولتكون نعمتي نعمة وافرة في كل حال.
وقوله : (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) عطف على (وَلِأُتِمَ) أي أمرتكم بذلك رجاء امتثالكم فيحصل الاهتداء منكم إلى الحق. وحرف لعل في قوله : (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) مجاز في لازم معنى الرجاء وهو قرب ذلك وتوقعه. ومعنى جعل ذلك القرب علة أن استقبالهم الكعبة مؤذن بأنهم يكونون معتدين في سائر أمورهم لأن المبادئ تدل على الغايات فهو كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] كما قدمناه وقال حبيب :
إنّ الهلال إذا رأيت نماءه |
|
أيقنت أن يصير بدرا كاملا |
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١))
تشبيهين للعلتين من قوله : (لِأُتِمَ) [البقرة : ١٥٠] وقوله : (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة : ١٥٠] أي ذلك من نعمتي عليكم كنعمة إرسال محمدصلىاللهعليهوسلم ، وجعل الإرسال مشبها به لأنه أسبق وأظهر تحقيقا للمشبه أي إن المبادئ دلت على الغايات وهذا كقوله في الحديث «كما صليت على إبراهيم» ونكر (رسول) للتعظيم ولتجري عليه الصفات التي كل واحدة منها نعمة خاصة ، فالخطاب في قوله : (فِيكُمْ) وما بعده للمؤمنين من المهاجرين والأنصار تذكيرا لهم بنعمة الله عليهم بأن بعث إليهم رسولا بين ظهرانيهم ومن قومهم لأن ذلك أقوى تيسيرا لهدايتهم ، وهذا على نحو دعوة إبراهيم : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ)
__________________
(١) فإن الحديث عن معاذ قال : مر النبي برجل يقول اللهم إني أسألك تمام نعمتك قال تدري ما تمام النعمة؟ تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار.